مقالات

قاسيون يعلو الكرملين سوريا تغيّر قواعد اللعبةوالشرع يعيد ترتيب الطاولة

قاسيون يعلو الكرملين سوريا تغيّر قواعد اللعبةوالشرع يعيد ترتيب الطاولة

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة

من قاسيون إلى الكرملين رمزية اللقاء الذي أربك موسكو وأيقظ العالم

في عالم السياسة لا تقاس اللحظات فقط بما يقال بل بما لا يقال

بالإيماءات بالجلوس بطريقة المصافحة وبالعيون التي تتهرب من النظر المباشر

في هذا السياق جاء اللقاء الذي جمع الرئيس السوري احمد الشرع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قلب الكرملين ليحمل دلالات تتجاوز حدود البروتوكول

وتدخل في عمق التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة

فحين تصعد دمشق إلى طاولة القرارفي لحظة تتقاطع فيها الجغرافيا مع الجيوسياسة دخل الرئيس السوري احمد الشرع قصر الكرملين لا كضيف عابر بل كصوت جديد لسوريا تبحث عن ذاتها بعد العاصفة

لم يكن اللقاء مع فلاديمير بوتين مجرد بروتوكول دبلوماسي بل كان إعلانا ضمنيا بأن دمشق تغيرت

وأن من يتحدث باسمها اليوم لا يحمل فقط ملفات السياسة بل يحمل رمزية التحول

قاسيون الجبل الذي شهد على صمود دمشق أطل هذه المرة من نوافذ الكرملين

الشرع الذي جاء من مشهد سوري متشظ حمل معه رسائل تتجاوز الكلمات سوريا الجديدة لا تدار من خلف الستار بل تصعد إلى المنصات وتعيد رسم خرائط التحالفات وتطالب بإعادة تعريف العلاقة مع موسكو على أسس السيادة لا التبعية

في حديثه شدد الشرع على أن استقرار سوريا هو جزء لا يتجزأ من استقرار الإقليم والعالم وأكد على احترام الاتفاقيات السابقة مع السعي لإعادة ضبط العلاقات بما يضمن استقلال القرار السوري

أما بوتين فكان واضحا في تأكيده على عمق العلاقات الممتدة منذ أكثر من ثمانين عاما لكن اللقاء هذه المرة لم يكن استذكارا للماضي بل تفاوضا على المستقبل

الكرملين لم يكن أعلى من قاسيون بل كان مرآته في لحظة نادرة لحظة تداخلت فيها الرموز بين من كان يصنف خصما بالأمس وأصبح شريكا في إعادة البناء اليوم بين من كان يقصى عن الطاولة وأصبح يجلس على رأسها

سوريا تغيرت والرسالة وصلت

لغة الجلوس حين يتكلم الجسد قبل اللسان

في الصور التي التقطت خلال اللقاء بدا واضحا أن بوتين لم يكن في وضعية السيطرة المعتادة جلس على طرف الكرسي يضم يديه ويشيح بنظره أحيانا في مشهد يختلف عن صرامته المعهودة في المقابل جلس احمد الشرع بثقة ظهره مستقيم عيناه ثابتتان وكأنه يدير المشهد لا يدار فيه

هذا التباين في لغة الجسد لم يكن صدفة فبوتين الذي اعتاد أن يكون مركز الثقل في أي لقاء بدا وكأنه يواجه شخصية تحمل من الشرعية الرمزية ما يكفي لإرباك ميزان القوى

دخول مرتبك ومصافحة رمزيةالمشهد الذي لفت الأنظار لم يكن فقط في الكلمات بل في لحظة دخول بوتين إلى القاعة حيث توجه مباشرة إلى الرئيس احمد الشرع والوفد المرافق له وسلم عليهم بهدوء لكنه بدا متوترا ثم التفت فجأة إلى وزير خارجيته وصافحه بحرارة وكأنه لم يره منذ زمن طويل في حركة غير معتادة تعكس ارتباكا داخليا أمام رمزية الحضور السوري الجديد

الشرع لم يتحرك بل اكتفى بنظرة ثابتة تعكس إدراكه الكامل لما تمثله تلك اللحظة من تحول في ميزان الخطاب السياسي

ردود الفعل الدولية العالم يقرأ المشهد من زواياه الخاصةالولايات المتحدة ترقب مشوب بالحذرواشنطن تابعت اللقاء عن كثب واعتبرته اختبارا لتوجهات سوريا الجديدة

تقرير أمريكي أشار إلى أن اللقاء قد يفتح بابا لتوتر جديد بين واشنطن ودمشق لكنه أيضا قد يكون خطوة محسوبة في لعبة التوازنات الإقليمية

الاتحاد الأوروبي سباق دبلوماسي لكسب دمشق

الاتحاد الأوروبي لم يقف متفرجا وزيرة الخارجية الألمانية ونظيرها الفرنسي زارا دمشق قبل اللقاء في محاولة لسحب البساط من تحت النفوذ الروسي

بيربوك صرحت بأن أوروبا تريد دعم انتقال شامل وسلمي للسلطة في سوريا لكنها أقرت بأن الطريق سيكون وعرا

إيران غياب لافت وصمت ثقيل

في مؤتمر صحفي أمريكي أكدت مساعدة وزير الخارجية باربارا ليف أن إيران لن يكون لها أي دور على الإطلاق في سوريا ولا ينبغي لها ذلك هذا التصريح يعكس تحولا في الموقف الدولي من النفوذ الإيراني ويضع طهران أمام واقع جديد في سوريا ما بعد الأسد

تركيا نفوذ تاريخي ومصالح أمنية

تركيا بحسب التصريحات الأمريكية لا تزال تحتفظ بدور كبير في سوريا نظرا لمصالحها الأمنية ونفوذها التاريخي

أنقرة لم تعلق رسميا على اللقاء لكنها تراقب عن كثب

إعادة تشكيل التحالفات في المنطقةالشارع السوري بين الدهشة والفرح ولذة الانتصار

في دمشق وحلب والسويداءوكل محافظات وفي مخيمات الشتات كان وقع اللقاء مختلفا لكنه عميق الشارع السوري بكل شرائحه عاش لحظات بين الدهشة والفرح ولذة الانتصار وكأن التاريخ يعيد ترتيب نفسه أمام أعينهم في الأحياء الشعبية انتشرت صور اللقاء على الهواتف وتداولها الناس كأنها إعلان غير رسمي لانتهاء مرحلة وبداية أخرى

البعض رأى في دخول احمد الشرع إلى الكرملين لحظة استعادة للكرامة الوطنية التي غابت طويلا

والبعض الآخر تعامل معها بحذر متسائلا عن مدى قدرة الشرع على ترجمة الرمزية إلى واقع ملموس

في المقاهي والأسواق كانت الأحاديث تدور حول لغة الجسد أكثر من الكلمات كيف جلس الشرع وكيف ارتبك بوتين كيف تغيرت ملامح المشهد الدولي أمام شخصية سورية جديدة تحمل خطابا مختلفا

لكن أكثر المتشككين ساد شعور بأن سوريا دخلت مرحلة جديدة لا تشبه ما قبلها

أما في المناطق التي أنهكتها الحرب فكان اللقاء بمثابة نافذة صغيرة نحو الأمل بأن سوريا قد تعود دولة لا ساحة وأن صوتها يمكن أن يسمع لا أن يستعمل

الشارع السوري الذي اعتاد أن يستبعد من الحسابات عاد ليكون جزءا من المعادلة فكل خطوة سياسية اليوم تقاس بمدى قدرتها على إعادة الثقة للناس لا فقط على إرضاء العواصم

الرسالة الأعمق سوريا ليست ورقة في يد أحد

اللقاء لم يكن فقط مناسبة دبلوماسية بل كان لحظة إعادة تعريف

الشرع لم يطلب بل طرح لم يتوسل بل فاوض لم يظهر ضعفا بل قدم رؤية وهذا ما جعل بوتين رغم كل ما يملكه من أدوات يبدو وكأنه يصغي أكثر مما يتكلم

في النهاية ما جرى في الكرملين لم يكن مجرد لقاء بل كان تجسيدا لتحول سوريا من تابع إلى شريك

من ساحة صراع إلى لاعب إقليمي

ومن دولة منهكة إلى دولة تعيد بناء ذاتها على أسس جديدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى