الأخبار العالميّة

سوق العطارين في طرابلس فقد خصوصيته من يعيد العز اليه؟..عمر ابراهيم

لم تكن محلات العطارة في طرابلس منذ زمن بعيد مجرد مهنة يعمل بها أبناء المدينة لكسب الرزق، إنما كانت بمثابة مستوصفات ومراكز صحية لكل الأهالي كونها كانت تعطي الوصفات الطبية من الأعشاب النادرة التي برع الطرابلسيون في جمعها وطحنها وتحويلها إلى أدوية لأمراض مختلفة كانت منتشرة آنذاك، فضلاً عن انها كانت مقصداً لكبار القوم لشراء العطورات المميزة ″المسك والعنبر″ وغيرها وأنواع البخور.

لذلك رأى السلطان المنصور قلاوون في عهد المماليك ضرورة جمع هذه المحلات في سوق واحد أطلق عليه سوق العطارين وتم أختياره بالقرب من الجامع المنصوري الكبير الذي بني قبل نحو 720 عاماً بهدف إنتشار رائحة العطور في أرجاء الجامع لكي تعم على جميع المصلين.

منذ ذلك الوقت تحول سوق العطارين إلى مقصد لكل أبناء المدينة والبلدان العربية المجاورة ولعب دوراً اقتصادياً بارزاً، خصوصاً أن كثيرين من الميسورين عملوا على شراء العقارات وبناء المنازل في تلك المساحة التي لا تتعدى مئات الأمتار، كما بنى المماليك مسجد القرطاوية عند المدخل الشمالي للسوق ليكون قريباً منه ومن الرائحة الزكية الصادرة عنه.

تمكن سوق العطارين من الصمود أمام عوامل الزمن وتبدل العهود حتى يومنا هذا، إلا أنه تعرض ونتيجة للوضع الاقتصادي المتردي ولإنتشار المستشفيات والمستوصفات والصيدليات والأدوية المختلفة والعطورات المستوردة إلى اعتداءات تمثلت بتحويل الكثير من محلات العطارة إلى محلات لبيع الخضار واللحوم والسكاكر والحلويات، مما أفقده وظيفته وأصبح مع الأيام لا يحمل من مهنة العطارة سوى الأسم مع تضاءل عدد المحلات التي أصبحت حالياً لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة.

سوق العطارين المحاذي للمسجد المنصوري الكبير والذي يضم معالم اثرية هامة، يشهد شتى انواع الاهمال الرسمي، في ظل غياب ثقافة الوعي لدى شريحة كبيرة من شاغلي محلاته ومنازله، وعدم قيام الجهات المعنية بحملات توعية حول اهمية هذا المكان وضرورة الحفاظ عليه، فضلا عن غياب مؤسسات الدولة عن القيام بالحد الادنى من واجباتها تجاه آثار طرابلس بشكل عام.

لا يتوقف الامر عند إهمال الجهات الرسمية، حيث يواجه السوق مع كل فصل شتاء فيضانات وتتعرض العديد من منازله الاثرية لعمليات تصدع وظهور تشققات بداخلها وفي أسقفها، ما يهدد بانهيارات، وسط معلومات عن تعديات تتمثل بسرقات لبعض الحجارة من منازل أثرية ولبعض الاعمدة وأخشاب النوافذ والابواب النادرة.

رغم ذلك فإن العطارين الذين حافظوا على وجودهم ما زالوا يمنون النفس مع مشروع تأهيل أسواق المدينة القديمة بإعادة العز لمهنة العطارة وإعادة الأسواق المتخصصة إلى سابق عهدها الزاهر، وأن يستعيد السوق خصوصيته ويتم الحفاظ على هذه المهنة وعلى هذا المعلم الاثري الهام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى