اضطرابُ الشَّـخصيَّة النَّرجسـيَّة في زمنِ السُّـوشـيال ميديا

عكـس الاتّـجاه نيـوز _ مقالات
بقلم : الإعلاميّـة غاليـة صرماياتي
” لماذا لم يتجاوز عددُ الإعجاباتِ المئةَ بعد ؟ “
” هل صُورتي لم تكن مثاليَّةً بِمَ يكفي ؟ “
” ربَّما عليَّ تعديلُ الإضاءة … أو نشرُ قصَّةٍ جديدةٍ الآن “
هكذا يبدأ يوم أحدِ مستخدمي تطبيق إنستغرام أو فيسبوك أو تيك توك ، و الأرقامُ بالنسبة له ليست مجرَّد تفاعل رقميٍّ ، بل هي مقياس لقيمته الشَّخصيَّة .
فكلُّ إعجاب يمنحُه دفعة من الثِّقة ، وكلُّ تأخُّر في التَّفاعل يُثيرُ قلقَه .
هذا الحوار الدَّاخليُّ يُلخِّص كيف أصبحت وسائل التَّواصل الاجتماعيِّ مرآة للنَّرجسيَّة في العصر الحديث .
النَّرجسيَّةُ ليست مفهوماً جديداً ، فسيغموند فرويد تحدَّث عنها عام 1914 باعتبارها مرحلة طبيعيَّة في النُّمو ، لكنَّها قد تتحوَّل إلى اضطراب إذا استمرَّت بشكلٍ مفرط .
و رأى هاينز كوهوت أنَّها جرح طفوليٌّ ناتج عن غياب التَّعاطف الأبويِّ ، بينما وصفها أوتو كيرنبرغ بأنَّها قناعٌ يُخفي فراغاً داخليَّاً .
لكن في عصرِ السُّوشيال ميديا ، هذا القناعُ لم يَعُد داخليَّاً فقط ، بل أصبح صورة رقميَّة تُعرض يوميَّاً أمامَ العالم .
فأصبحت أغلب منصّات السُّوشيال ميديا كحاضنةٍ للنَّرجسيَّة مثل إنستغرام و تيك توك وفيسبوك حيث حوَّلت الذَّات إلى مشروع تسويقيٍّ ، فعدد الإعجابات والمتابعين أصبح معياراً للقيمة ، ممَّا يُعزِّز السُّلوكيَّات النَّرجسيَّة .
فكلُّ إعجابٍ أصبح يُشعر الفرد بالرِّضا اللحظيِّ فقط ، و المقارنة المستمرَّة باتت تولِّدُ قلقاً ورغبة في التَّفوُّق ، أمّا الهويَّة الرَّقميَّة فتحوّلت إلى ( قناع مثاليٍّ ) يُخفي هشاشة داخليَّة .
و أشار المفكِّرُ كريستوفر لاش في كتابِه ثقافةُ النَّرجسيَّة (1979) إلى أنَّ المجتمع الحديث يُمجِّدُ الصُّورة المثاليَّة .
و اليومَ جعلت السُّوشيال ميديا هذا التَّمجيد أكثر قوَّةً وانتشاراً ، حتَّى صار السُّلوك النَّرجسيُّ جزءاً من الثَّقافة الرَّقميَّة السَّائدة .
أمّا بالنسبة لكيفيّة مواجهتنا للنَّرجسيَّةَ الرَّقميَّة فإليكم بعض النّصالح :
_ لا تجعل عدد الإعجابات مقياساً لقيمتك .
_ ابحث عن التَّقدير في علاقاتك الواقعيَّة .
_ قلِّل من وقتك على المنصَّات وحدِّد أوقاتاً واضحةً للاستخدام .
_ شارك محتوى يعكس قيماً ومعرفةً ، لا مجرَّد صور مثاليَّة .
_ عزِّز علاقاتك الحقيقيَّة بعيداً عن العالم الافتراضيِّ .
فاضطرابُ الشَّخصيَّة النَّرجسيَّة لم يَعُد مجرَّد تشخيص طبيٍّ ، بل أصبح ظاهرةً اجتماعيَّةً رقميَّةً ، و وسائل التَّواصل الاجتماعيُّ غذَّت هذا الاضطرابَ وحوَّلت المجتمع إلى ساحة بحث دائم عن الاعتراف والظُّهور . لكنَّ الوعي والعودة إلى العلاقات الإنسانيَّة الحقيقيَّة يمكن أن يُخفِّف من أثر هذه الظَّاهرة ويُعيد التَّوازن النَّفسيَّ .
عكـس الاتّجـاه نيـوز
الحقيقـة الـكاملـة
معاً نصنع إعــلاماً جـديداً




