الأخبار العالميّة

“منبر العهر الرّقمي” .. كيف تحوّلت المنصّات إلى مرآة للانحدار الأخلاقي و مقبرة للقيم ؟

بقلم رئيس التّحرير : محمد ضياء الدين بديوي

الصّورة البصريّة الجّديدة للمجتمع

افتح أي منصّة اجتماعيّة، ولن تحتاج أكثر من ثوانٍ لتدرك أن المجتمع لا يعرض نفسه عبر إنجازاته، بل عبر أوجاعه المقنعة بالألوان والرقصات.
المنصات، التي بدأت بوعد “ربط العالم”، تحوّلت إلى منبر مفتوح للعهر المعنوي والمرئي، حيث تُقدَّم الأجساد كمنتج، وتُباع الأفكار بسعر العناوين المثيرة، ويُدفن العقل خلف “فلتر” أو “ميوزك ترند”.

منذ متى أصبح الاستعراض بديلًا عن الإنتاج؟
ومن الذي قرر أن اللايكات أهم من الكتب؟
أسئلة تعكس أزمة أخلاقية عميقة تُصيب البنية المجتمعية في الصميم.

تعريف العهر في زمن المنصّات ر
لم يعد العهر مقتصراً على تجارة الجسد في سياقات اجتماعية هامشية، بل بات حاضرًا في كل شاشة، كل ستوري، وكل “شورت فيديو” يعرض الإثارة على أنها حرية، والسقوط على أنه نجاح.

العهر الرقمي اليوم هو:

  • تحويل الذات إلى سلعة عبر تسويق الجسد والخصوصية
  • تضخيم المحتوى التافه على حساب الرصين والمعرفي
  • تطبيع الابتذال وإعادة إنتاجه كقيمة اجتماعية

إنه نموذج إنتاج لا يعتمد على العقل ولا المهارة، بل على الجاذبية اللحظية والجرأة العارية.

لماذا هذا الانحدار؟ تحليل أعمق للجذور

  • هشاشة تربوية بنيوية: التعليم فقد دوره في بناء الهوية، وأصبح يعتمد على التلقين بدل النقد، ما فتح الباب أمام منصات تعيد تشكيل القيم بشكل منفلت.
  • الإعلام الموجه نحو الإثارة: المحتوى الجاد لا يحظى بالاهتمام، بينما تُصدر التفاهة إلى ملايين، وتُتوج بالجوائز والمتابعة.
  • غياب المشروع الثقافي الجماعي: لا يوجد سردية وطنية تُلهم الشباب وتزرع الحلم، بل هناك فراغ يمتلئ بالضجيج، والمظهر، والتقليد الأعمى.
  • الضغط الاقتصادي والبطالة: الجوع لا يبحث عن فلسفة، والشهرة السريعة تُغري المحتاجين لسد الفجوات، ولو عبر طريق الاستعراض والانكشاف. تأثير هذه الظاهرة على المجتمع والهوية
  • اغتيال الذائقة العامة: ما كان يُرفض بالأمس أصبح يُحتفى به اليوم.
    “الراقصة مؤثرة، والناقد ممل، والمفكر خارج الزمن”.
  • نموذج القدوة المشوَّه: بدلاً من أن يكون الطبيب أو الباحث نجمًا، يُصبح من يُتقن حركات الإثارة هو من يُشار إليه بالبنان.
  • تدمير الهوية الثقافية تدريجيًا: تسرب الأنماط الغربية دون نقد، يُبدد الخصوصية العربية ويجعل المجتمع مستهلكًا لا منتِجًا.
  • انهيار سلّم القيم الأخلاقية والاجتماعية: حتى المفاهيم مثل “الحرية” و”التعبير” أُعيد تعريفها لتصبح غطاءً للانكشاف لا منصّة للإبداع. هل هناك أمل؟ المواجهة تبدأ بالفهم
  • بناء منصات مقاومة تستقطب العقل والفكر ولا تستسلم لخوارزميات الإثارة.
  • إنتاج محتوى بديل جذاب وواقعي يقدّم القدوة على شكل شخصيات مؤثرة لا مُستعرضة، ويُسلط الضوء على النجاح الحقيقي لا الوهم الرقمي.
  • نشر ثقافة التمييز بين الاستهلاك والمشاركة، وتعليم الأجيال كيف تُنتج، لا كيف تُقلّد وتُعرض.
  • إعادة الاعتبار للفكر والصوت الوطني في مواجهة الاستلاب الثقافي، عبر التعليم، الفن، الإعلام، والمبادرات الاجتماعية.
    فهل نحن نعيش عصر “موت الفكر على يد الرقص”؟

قد يبدو العنوان قاسيًا، لكنه واقعي. نحن أمام معركة وجودية لا تُخاض بالسلاح، بل بالشاشة.
المجتمع يخوض معركة يومية في الحفاظ على ما بقي من العقل في عصر يغمره الصخب الرقمي، والرسائل المبطّنة، والمحتوى الذي يبيعنا وهمًا… ونحن نشتريه بأرواحنا.

#عكس_الاتجاه_نيوز

#الحقيقة_الكاملة

#معاَ_نصنع_إعلاماً_جديداً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى