مقالات

العقول التي لا تُشترى والسّلطات التي تُختبر

بقلم محمد ضياء الدين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز ومستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة والرّمزيّة

الفكر كأداة سيادية وتقدير المواقف كشرط للبقاء

في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المصالح لم يعد السؤال الأهم من يحكم بل من يحرس الحقيقة
ليس الأمن وحده ولا القانون بل الفكر
الفكر الحر النزيه الذي لا يُهادن الباطل ولا يُساوم على المصلحة العامة بل يُنبه يُصحح ويُقاوم التزييف

السلطة تحت الاختبار من تُنصت له ومن تُقصيه

حين تُختبر السلطة يُختبر وعيها بمن يكتب لها ومن يكتب ضدها
لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا فليس كل من يكتب ضدها خصمًا وليس كل من يكتب لها حليفًا
السلطة التي لا تُميّز بين من يكتب بقلمٍ مأجور وبين من يكتب بقلبٍ مثقلٍ بالهم الوطني
هي سلطةٌ عمياء أو مخترقة أو كليهما

وهنا يُصبح تقدير المواقف علمًا سياديًا لا غنى عنه يُعادل في أهميته علم الاستخبارات
لأنه يُعنى بقراءة النوايا لا فقط الأقوال وبتمييز النصيحة من التملق والتحذير من التحريض

الكاتب الحقيقي مرآة لا موظف

الكاتب الحقيقي ليس موظفًا في بلاط السلطة بل مرآةٌ لها
يُظهر لها ما لا تراه ويُنبّهها إلى ما لا تُدركه ويُذكّرها بأن القوة لا تُقاس بعدد الحراس
بل بعدد العقول التي تحترمها وتُصغي إليها
فحين تُصبح النصيحة تُهمة يُصبح الصمت خيانة وحين يُقصى المفكرون يُفتح الباب للضلال
وتُغلق نوافذ النصح ويُستبدل الضمير العام بجوقة التطبيل

تقدير المواقف أولًا معيار لسلامة القرار

عندما السلطة السياسية أية سلطة سياسية في أي بلد بالعالم لا تُقدّر مواقف رجال الفكر
ولا تُميّز بين من يكتب من أجل مصالح خاصة وضيقة وبين من يكتب من أجل المصلحة العامة العُليا
فإنها حتمًا تكون سلطة مخترقة وقد تسلل إليها من يحاول تضليلها
وعليها أن تكون حذرة وموضوعية جدًا بكل القضايا التي تصلها أو التي تعالجها بحق الآخرين
لأن الموضوعية ليست حيادًا بل مسؤولية سيادية

الفكر ليس رفاهية بل ضرورة وجودية

تقدير المواقف ليس رفاهية سياسية بل ضرورة وجودية
فمن لا يُحسن قراءة النوايا لن يُحسن قراءة التاريخ
ومن لا يُنصت لصوت العقل سيصرخ لاحقًا من صوت الفوضى
والمفكرون لا يطلبون امتيازات بل يطلبون إنصافًا
لا يسعون إلى سلطة بل يسعون إلى صيانة الوطن من عبث الجهلة وتضليل المنتفعين
هم الحِصن الأخير حين تتهاوى الأسوار وهم البوصلة حين تتوه الاتجاهات

أسئلة لا بد أن تُطرح داخل كل مركز قرار

هل تُنصت السلطة لمن يُجاملها أم لمن يُحذّرها
هل تُكافئ من يُزيّن لها الواقع أم من يُنبهها إلى الخطر
هل تُدرك أن الفكر ليس خصمًا بل حليفًا
وأن المثقف ليس عدوًا بل حارسًا للضمير العام
السلطة التي تُنصت تُبصر والتي تُقصي تُضل

لا يُقاس رُقيّ السلطة بما تملكه من أدوات الردع
بل بما تملكه من قدرة على التمييز بين من يُضيء لها الطريق
ومن يُغرقها في ظلام التطبيل
وكل سلطة تُريد البقاء لا بد أن تُعيد تعريف علاقتها بالفكر
لا كزينة إعلاميّة بل كأداة سيادية تُحصّن القرار وتُبقي الوطن حيّاً

عكس الاتجاه نيوز
الحقيقة الكاملة
معًا نصنع إعلامًا جديدًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى