مقالات

التسوّل في الشّوارع .. ظاهرة اجتماعيّة بين الحاجة و الكسب

بقلم رئيس التّحرير محمد ضياء الدين بديوي 

في زوايا الشّوارع وأمام إشارات المرور، تتكرّر يومياً مشاهد لأطفال ونساء ورجال يمدّون أيديهم طلباً للمساعدة. مشاهد تغوص في عمق التركيبة الاجتماعيّة للبلد ، وتطرح تساؤلات ملحّة: هل هي حاجة حقيقية؟ أم تجارة مقلقة؟
و أنّ هذه الآفه لها أبعاد خطيرة منها : البعد الاجتماعي والإنساني للظاهرة

فالتّسول، في جوهره، يعكس خللاً اجتماعيّاً اقتصاديّاً قديماً تتعدّد أسبابه وتتداخل جذوره . من جانب إنساني ، يثير مشاعر التّعاطف والغضب في آنٍ واحد ، فالتعاطف مع الطّفل الذي يفترض أن يكون في المدرسة، والغضب من واقعٍ يضعه في هذا الدور.

و هناك عدّة أسباب و دوافع لتلك الظّاهرة و تتجلّى ب :

– الفقر المدقع وغياب شبكات الأمان الاجتماعي.

– النزوح الداخلي بسبب الأزمات، وما نتج عنه من فقدان الموارد والسكن.

– تفكك أسري أو غياب أحد الوالدين، ما يدفع الأطفال والنساء للبحث عن طرق غير آمنة للبقاء.

– استغلال الأطفال من قبل شبكات منظمة تستغل التعاطف الشعبي لأغراض مالية.

– البطالة وانتشار ثقافة الاتكالية عند البعض كوسيلة “أسرع” للكسب.

أمّا بالنسبة لتأثير التّسول على المجتمع والمواطن :

– تشويه المنظومة الأخلاقية: عندما يُربّى الطفل على أن التسول وسيلة للكسب، تتزعزع القيم المتعلقة بالعمل والتعليم.

– استنزاف المشاعر الإنسانية: كثرة المشاهد اليومية تفقد الناس قدرتهم على التمييز بين المحتاج الحقيقي والمتكسب، مما يخلق قسوة مجتمعية غير مقصودة.

– إثقال كاهل المدن: تتحول الأماكن العامة إلى نقاط ازدحام غير منظمة، وتزداد الشكاوى من المضايقات.

– ضعف الثقة بالمؤسسات: إذ يعتبر البعض أن انتشار الظاهرة مؤشرًا على غياب الرقابة وضعف الاستجابة الرسمية.

و الضّرر الواقع على أصحاب الحاجة الحقيقية :

يتعرض المحتاج الحقيقي لتجاهل متزايد بسبب عدم قدرة الناس على التمييز بينه وبين المتسول المتمرس، ما يفاقم من وضعه ويبعد عنه يد العون.

_ انعكاس الظاهرة على سمعة البلد

في عصر الصورة والاتصال، لا يمر التسول مرور الكرام أمام عدسات الزوار والسياح. يُنظر إليه كعلامة على ضعف البنية الاجتماعية، ويؤثر على صورة سوريا كدولة عريقة ذات تاريخ وحضارة وكرامة.

_ العلاج والحلول الممكنة

– تفعيل دور الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإنسانية للوصول إلى المحتاج الحقيقي وتوفير دعم مستدام.

– وضع قوانين صارمة ضد شبكات استغلال الأطفال والمتسولين المتنكرين.

– إطلاق حملات توعوية تحدد أساليب المساعدة الصحيحة وتدعو للتبليغ عن الاستغلال.

– تهيئة برامج تأهيل مهني وتعليمي تستهدف الفئات الفقيرة لدمجها في السوق والعمل.

– تعزيز الرقابة على الأماكن العامة لمنع التجمعات العشوائية وتحسين النظام الحضري.


وفي الختام ، يبقى التصدي لظاهرة التسول مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع المدني والأفراد. هي قضية أخلاقيّة وإنسانية تحتاج إلى معالجة جذرية لا تعتمد فقط على المنع، بل على الإصلاح والدّعم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى