كلّ خيط بثمن و من شظاياي خُلقتُ رجلاً لا يشبه البدايات

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة
لم أُخلق ناضجاً بل خُلقت من شظاياي
وما يبدو اليوم على ملامحي من ثبات واتزان ليس زينةً أرتديها بل درعٌ نسجته من خيوط التجارب بعضها خشن كأيامي وبعضها ناعم كإدراكي المتأخر
لم تهبط عليّ الحكمة كهدية من السماء بل خرجت بها من رماد السقوط ومن وهج الألم ومن صمتٍ تعلّمت فيه أن الصراخ لا يغيّر شيئاً
كل موقفٍ مرّ بي وكل سقوطٍ وخيبةٍ وتأرجحٍ بين البقاء والانهيار كانت غرزةً في هذا الثوب
لم يكن الطريق مفروشاً باليقين بل كان مليئًا بالأسئلة و بالندم وبالقرارات التي دفعت ثمنها من نفسي و من راحتي ومن علاقاتي سقطت وقمت و تأرجحت وتشبثت و انكسرت وأعدت تشكيل نفسي
وكنت أعود في كل مرة من حافة الهاوية أرمم ما تهدّم وأعيد بناء ما تصدع حتى أصبحت اليوم رجلاً لا يشبه بداياته لكنه لا يخجل منها
الاندفاع الذي كان يسبق خطواتي علّمني أن الثمن لا يُدفع فقط بالمال بل بالوقت وبالفرص الضائعة وبالقلوب التي لم تحتمل عثراتي
فالهدوء الذي يعلو ملامحي الآن لم يكن سمةً فطرية بل ثمرة تجارب علّمتني أن الصمت أحياناً أبلغ من الكلمات وأن الثبات لا يعني الغياب عن الألم بل القدرة على احتوائه
أنا اليوم نتاجُ كل تلك اللحظات التي ظننت أنها ستكسرني
أنا رجلٌ لا يدّعي الكمال لكنه يعرف تماماً كيف وصل إلى هنا يعرف أن كل خيطٍ في ثوبه قد دُفع ثمنه من روحه وأن هذا الثوب وإن بدا أنيقاً يخفي تحته ندوباً لا تُرى لكنها تُحس
هذا الثوب ليس للزينة بل شهادة حيّة على أن الإنسان لا يُصنع بالكلمات بل بالمواقف التي تُعيد تشكيله مرةً بعد مرة حتى يصبح جديرًا بما هو عليه
فليعلم من يراني الآن أنني لم أولد هكذا بل صُغت نفسي من كل ما أرداني ووقفت وهكذا من كل ندبةٍ صنعتُ توقيعي
عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً