محصول القطن في ريف حلب… من موسم الأمل إلى مكدّسات بلا تسويق……

لا تسعيرة رسميّة ، لا استلام ، ولا دعم … الفلاحون يبيعون محاصيلهم بأقلّ من كلفة الإنتاج لتجار السّوق السّوداء .
الخسارة مقابل إيفاء ديون الفائدة فأين المؤسّسات الزّراعيّة يصرخ أحد الفلاحين
عكس الاتّجاه نيوز
ريف حلب
إعداد : عبد السّتار الموسى
موسم الأمل الذي تحول إلى موسم الخسارة ،
هنا في سهول منطقة السّفيرة ومحيطها بريف حلب الشرقي ، المنطقة التي اشتهرت بخصوبة تربتها و تنوع غلالها الزراعية يعيش الفلاحون اليوم واقعاً مؤلماً. فالموسم الذي انتظروه على أمل تعويض خسائر الأعوام السابقة، تحوّل إلى عبئ ثقيل وخسارة فادحة.
رغم جهود الفلاح التي بذلها تحت حرّ الصيف القاسي ، إلا أن الإنتاج جاء ضعيفاً بشكل غير مسبوق.
والسبب واضح نقص في مياه الري وعدم توفر مستلزمات الإنتاج الزراعي .
محصول القطن الذي يعتبر من أهم الغلات الزراعية و داعم للإقتصاد الوطني بشكل رئيسي لكونه عماد صناعة الغزل و النسيج التي تشتهر بها سوريا و مورد كبير للقطع الأجنبي لأرتفاع اسعاره عالمياً إذا ماتم تصديره .
إلا أنه تحول إلى كابوس يجثو على صدور الفلاحين خوفاً من الخسارة وعدم التصريف
يقول أحد فلاحي السفيرة ، وقد بدت على وجهه علامات التعب: “زرعنا الأرض على أمل تعويض خسائر القمح و المواسم السابقة دون علمنا بأن نزيد من خراب بيتنا … لا بذور محسّنة، ولا أسمدة متوفرة، ولا مبيدات فعّالة، وحتى المياه التي كانت تصلنا من مشروع مسكنة غرب، انقطعت في ذروة الحاجة إليها
أسباب الانهيار: من الغلاء إلى العطش
يواجه الفلاحون أزمة مركّبة، تتداخل فيها الأسباب الاقتصادية والإدارية والبيئية:
غياب مستلزمات الإنتاج الأساسية: البذور الجيدة والأسمدة و المبيدات الفعالة في غياب تام عن الفلاح مقابل ارتفاع أسعارها.
أزمة مياه الري: انقطاع المياه في مشروع مسكنة غرب خلال ذروة النمو جعل الحقول تخسر الكثير من انتاجيته، والمحصول يتراجع بنسبة كبيرة.
غياب التسعيرة الرسمية وعدم استلام المحصول: حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تُعلن الجهات المعنية عن تسعيرة معتمدة لمحصول القطن وعدم إستلامه من قبل المؤسسة العامة للحلج والتسويق ، ترك السوق مفتوحاً أمام تجّار يستغلون حاجة الفلاح لبيع محصوله بأسعار بخسة لتسديد ديونه، التي تُقدّر غالباً بـ القطع الأجنبي مع فوائد مرتفعة
كساد الموسم وتحكّم التجار
غياب دور الدولة في استلام المحصول أو تنظيم السوق، وجد الفلاح نفسه بين خيارين أحلاهما مرّ:
إما أن يبيع لتجار السوق السوداء بأسعار لا تغطي حتى التكاليف، أو أن يترك محصوله مكدساً حتى يتلف.
أحد التجار صرّح لنا – رافضاً ذكر اسمه – قائلاً:
السوق بلا تسعيرة يعني الفوضى… الفلاح يبيع مرغماً، ونحن نشتري بسعر السوق، لا أكثر ولا أقل.”
لكن “سعر السوق” هنا يعني خسارة تعب موسم كامل بالنسبة للفلاحين الذين دفعوا ما فوق طاقتهم على الوقود والسماد والعمالة.
مقترحات للحل: بين الواقع والطموح
في ضوء هذه الأوضاع، يطالب الفلاحون الجهات المعنية بعدة خطوات عاجلة، تمثل طوق نجاة لما تبقى من القطاع الزراعي في المنطقة:
أولاً: الإسراع في استلام موسم القطن الحالي من الفلاحين بتسعيرة رسمية تغطي تكاليف الإنتاج وتحقق هامش ربح يستطيع الفلاح من خلال تدبير أمور معيشته وتجهيز ارضه لموسم القمح القادم.
ثانياً: إعادة صيانة وتشغيل محالج القطن في أقرب و إستلام المحصول من الفلاح و الإسراع في صرف ثمنه .
ثالثاً : وضع خطة إنتاجية متكاملة للعام القادم، تضمن توفير المستلزمات الزراعية عبر:
المنظمات الدولية الداعمة بشكل مجاني.
أو عبر المصارف الزراعية بنظام القروض المؤجلة حتى موعد صرف سعر المحصول.
رابعاً : منح قروض زراعية طويلة الأمد تُستخدم في دعم مشاريع الري الحديثة وتحسين خصوبة التربة.
خامساً: ضمان انتظام مياه الري في مشروع مسكنة غرب، مع عدالة توزيعها بين الفلاحين خلال فترات الذروة الإنتاجية
بين صبر الأرض وصمت المؤسسات…..
يبقى فلاح ريف حلب الشرقي شاهداً على صراعٍ بين الإرادة والعجز.
إرادة الأرض التي ما زالت تُنبت رغم الجفاف، وعجز السياسات الإقتصادية التي لم تعد ترى في الزراعة سوى أرقام على الورق.
وفي انتظار أن تُسمع أصوات الفلاحين، يواصل “الذهب الأبيض” تحوله في منطقة السفيرة إلى رماد من الخسارة، في بلدٍ كان يوماً من كبار منتجي القطن في الشرق الأوسط.
عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً




