الكرسي الذي هزّ البروتوكول كيف قال الشّرع لا للرمزيّة الفارغة في قلب أمريكا

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة
في لحظةٍ خاطفةٍ لكنها مشحونة بالدلالات رفض الرّئيس السّوري أحمد الشّرع الجلوس على كرسي مختلف عن كرسي وزير خارجيته خلال لقائه بالجالية السّوريّة في نيويورك مطالبا بتغييره فوراً قد يبدو الحدث شكليّاً في ظاهره لكنه في جوهره يحمل رسالة سياسية واجتماعية عميقة تستحق الوقوف عندها وتحليل ابعادها المتعددة
أولاً
البعد الرّمزي – الكرسي كمرآة للسلطة :
الكرسي في الثقافة السياسية ليس مجرد قطعة اثاث بل هو رمز للسلطة والمكانة حين يرفض رئيس دولة الجلوس على كرسي أعلى أو أكثر فخامة من كرسي وزيره فهو يوجه رسالة مباشرة لا تفاضل بيننا في خدمة الوطن هذا الموقف ينسف تقاليد البروتوكول السلطوي التي تكرس التراتبية الشكلية ويؤسس لنهج جديد في القيادة قوامه التواضع والمساواة
ثانياً
البعد السياسي – رفض التمييز داخل الدولة :
في سياق سياسي دولي مشحون حيث تقاس الزعامات غالبا بمظاهرها لا بمواقفها يأتي تصرف الشرع ليعيد تعريف القيادة أنه رفض ضمني لأي محاولة لتكريس صورة الرئيس المتفرد وتأكيد على أن الدولة الحديثة تبنى على مؤسسات متكافئة لا على أفراد متمايزين هذا الموقف ينسجم مع خطاب الشّرع في الأمم المتحدة الذي ركز على السيادة والكرامة الوطنية لا على الاستعراض الدبلوماسي
ثالثاً
البعد الاجتماعي – احترام الجالية وتكريس القرب
الحدث وقع أمام الجالية السورية في نيويورك التي تمثل شريحة من السوريين المهجرين والمغتربين رفض الرئيس الجلوس على كرسي مختلف أمامهم هو رسالة احترام لهم قبل أن تكون رسالة سياسية أنه يقول أنا منكم لا فوقكم ويعيد وصل ما انقطع بين الدولة ومواطنيها في الخارج عبر رمزية بسيطة لكنها مؤثرة
رابعاً
البعد الإعلامي – كيف قرأت الصحافة العالمية الحدث
تناقلت وسائل الإعلام العالمية والعربية الحدث بوصفه رسالة تواضع وكسر للرمزية السلطوية بعض الصحف الامريكية اعتبرته تعبيرا عن فلسفة جديدة في القيادة السورية بينما رأت فيه صحف عربية امتدادا لخطاب الشرع الذي يرفض التراتبية الشكلية الصور التي انتشرت للحظة الرفض حظيت بتفاعل واسع على منصات التواصل واعتبرت درسا في البروتوكول الاخلاقي
خامساُ
البعد الفلسفي – الكرسي كاختبار للضمير
في زمن تتضخم فيه الرموز وتفرغ من معناها يأتي هذا الموقف ليعيد الاعتبار للرمزية الصادقة الكرسي هنا ليس مجرد خشب ومخمل بل اختبار للضمير السياسي هل يقبل الزعيم أن يعامل بطريقة مختلفة عن رفاقه هل يرضى ان يرى اعلى منهم الشرع أجاب بلا وبذلك أعاد تعريف الكرسي ليس هو من يرفع صاحبه بل صاحبه هو من يرفعه بموقفه
موقف الرئيس أحمد الشّرع من الكرسي في نيويورك ليس تفصيلاً بروتوكولياً بل لحظة تأسيسية في الخطاب السياسي السوري الجديد أنه إعلان غير مباشر عن فلسفة حكم ترى في التواضع قوة وفي المساواة أساسا للشرعية وفي احترام الرموز مدخلا لإصلاح المؤسسات الكرسي الذي لم يُجلس عليه قد يكون أكثر تعبيرا من آلاف الكلمات لأنه حمل في صمته كل الرسائل التي أراد الشّرع ايصالها
عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً