أضف إلى معلوماتك

قراءة أكاديميّة في قصيدة ( وُلِدَ الهُدَى ) لأحمد شوقي

بقلم غالية صرماياتي

المصدر دراسة منشورة بعنوان : شعريّة الأسلوب في قصيدة وُلِدَ الهُدَى ضمن المجلّة الأكاديميّة الجّزائريّة ASJP

تُعدّ قصيدة ولد الهدى من أبرز ما كتبه أحمد شوقي في المديح النّبوي وقد نظّمها احتفاءً بمولد النّبي محمّد ﷺ فجاءت تلك القصيدة تتجاوز المدح إلى بناء شعري متكامل يجمع بين التّصوير الفنّي والرّمزيّة الدّينيّة والبلاغة العاليّة في هذا المقال نعرض تحليلاً كاملاً لأبيات القصيدة وفق منظور أكاديمي يراعي السّياق الفنّي والدّيني واللغوي

فتبدأ القصيدة بصورة كونيّة مهيبة حيث يقول :

وُلِدَ ٱلهُدى فَٱلكائِناتُ ضِياءُ
وَفَمُ ٱلزَّمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ

و هنا لا يصف الشّاعر ولادة النّبي بوصف بشري بل يجعلها حدثاً كونيّاً تتفاعل معه الموجودات كلّها الضّياء ليس ضوءاً ماديّاً بل إشراقاً روحيّاً وفم الزّمان يتبسَّم في استعارةٍ تُجسِّد الزّمان ككائن حي يحتفي بالمولد

ثمّ ينتقل إلى تصوير الملائكة في مشهد سماوي مُهيب

ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَأُ ٱلْمَلائِكُ حَوْلَهُ
لِلدِّينِ وَٱلدُّنْيا بِهِ بُشَراءُ

   الملائكة تُحيط بالنبي مُبشِّرة بمولده الذي يحمل الخير للدِّين والدُّنيا في مشهد يضفي قداسة على اللّحظة ويجعلها محوراً للوجود

ويتابع شوقي تصوير العوالم العُلويّة التي اهتزّت لهذا الحدث العظيم

  وَٱلْعَرْشُ يَزْهُو وَٱلْحَظِيرَةُ تَزْدَهِ 
وَٱلْمُنْتَهى وَٱلسِّدْرَةُ ٱلْعَصْماءُ

العرش والحظيرة والسِّدرة والمنتهى كلّها تزدهر و تزهو في لحظة المولد ممّا يُضفي على الحدث طابعاً سماويّاً يتجاوز حدود الأرض

ثم ينتقل إلى تصوير القرآن الكريم كحديقة غنّاء

وَحَدِيقَةُ ٱلْفُرْقَانِ ضَاحِكَةُ ٱلرُّبَى 
بِٱلتُّرْجُمَانِ شَذِيَّةٌ غَنَّاء

الفُرقان أي القرآن يظهر كحديقة ضاحكة تفوح منها رائحة البيان والنّبي هو التُّرجُمان الذي يُفسِّر ويُجسِّد معانيه في صورة فنّيّة تجمع بين الجّمال وَالبلاغة

ثمّ يُصوِّر الوحي كأنّه ماء عذب يتقطَّر من سلسلة ذهبيّة

وَٱلْوَحْيُ يَقْطُرُ سَلْسَلًا مِنْ سَلْسَلٍ
وَٱللَّوْحُ وَٱلْقَلَمُ ٱلْبَدِيعُ رُوَاءُ

الوحي سلس وعذب و اللَّوح والقَلم رمزان للعلم لإلهي يُوصفان بِالبديع و رُواء مما يُعزِّز من قدسيّتهما

ويبلغ شوقي ذروة التّمجيد حين يقول :

نُظِمَتْ أَسَامِي ٱلرُّسْلِ فَهِيَ صَحِيفَةٌ
فِي ٱللَّوْحِ وَٱسْمُ مُحَمَّدٍ طُغْرَاءُ

اسم النّبي يُتوَّج صحيفة الرُّسل ويُكتب بِالطُّغْرَاء وَهي الكلمة المُزخرفة التي تُزيِّن صدر الوثائق السُّلطانيّة ممّا يُضفي على الاسم مهابة وَجلالا

ثمّ يربط بين اسم ٱلله وَاسم ٱلنّبي في دلالة رمزيّة عميقة

ٱسْمُ ٱلْجَلَالَةِ فِي بَدِيعِ حُرُوفِهِ
أَلِفٌ هُنَالِكَ وَٱسْمُ طهَ ٱلْبَاءُ

في هذا البيت يتداخل النّور الإلهي مع النّور النّبوي في وحدة رمزيّة تشير إلى ارتباط الرّسالة بِالمصدر الأعلى

ويتابع شوقي في إبراز مكانة النّبي بين سائر الرُّسل

يَا خَيْرَ مَنْ جَاءَ ٱلْوُجُودَ تَحِيَّةً
مِنْ مُرْسَلِينَ إِلَى ٱلْهُدَى بِكَ جَاؤُوا

الرُّسل يأتون إليه بالتّحيّة ممّا يجعله محور الرّسالات وَخاتمها وَأعلاها مقاماً

ثمّ يُشير إلى وحدة العقيدة بين الأنبياء

بَيْتُ ٱلنَّبِيِّينَ ٱلَّذِي لَا يَلْتَقِي
إِلَّا ٱلْحَنَائِفُ فِيهِ وَٱلْحُنَفَاءُ

بيت التّوحيد لا يدخله إلّا من كان على مِلّة إبراهيم مما يُبرز امتداد الرّسالة المحمّديّة في سياق تاريخي موحّد

ويُعيد بناء النّسب النّبوي بطريقة رمزيّة

خَيْرُ ٱلْأُبُوَّةِ حَازَهُمْ لَكَ آدَمُ
دُونَ ٱلْأَنَامِ وَأَحْرَزَتْ حَوَّاءُ

آدم وحوّاء اختصّا النّبي بِأفضل ما لديهما مما يُضفي على النّسب طابعاً مقدَّساً

ثمّ يُبرز ختم الرّسالة فيه

هُمْ أَدْرَكُوا عِزَّ ٱلنُّبُوَّةِ وَٱنْتَهَتْ 
فِيهَا إِلَيْكَ ٱلْعِزَّةُ ٱلْقَعْسَاءُ 

الأنبياء نالوا شرف النُّبوّة لكن العِزَّة الكاملة انتهت إليه ممّا يُبرز تمام الرّسالة فيه

ويُجسِّد العلاقة بين النّبي وَالرّسالة

خُلِقَتْ لِبَيْتِكَ وَهُوَ مَخْلُوقٌ لَهَا
إِنَّ ٱلْعَظَائِمَ كُفْؤُهَا ٱلْعُظَمَاءُ 

العظمة لا تليق إلّا بِلعُظماء وَالنّبي هو الكفء الوحيد لِحمل الرّسالة الخاتمة

ثمّ يُصوِّر فرح السّماء وَالأرض بِ

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ
وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ
الـرّوحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ
لِـلـديـنِ وَالـدُّنـيـا بِهِ بُشَراءُ
وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي
وَالـمُـنـتَـهى وَالسّدرَةُ العَصماءُ

وَحَـديـقَـةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا

بِـالـتُـرجُـمـانِ شَـذِيَّةٌ غَنّاءُ
وَالـوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلاً مِن سَلسَلٍ

وَالـلَـوحُ وَالـقَـلَـمُ البَديعُ رُواءُ
نُـظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ
فِي ٱللَّوْحِ وَٱسْمُ مُحَمَّدٍ طُغْرَاءُ

ٱسْمُ ٱلْجَلَالَةِ فِي بَدِيعِ حُرُوفِهِ
أَلِفٌ هُنَالِكَ وَٱسْمُ طهَ ٱلْبَاءُ

يَا خَيْرَ مَنْ جَاءَ ٱلْوُجُودَ تَحِيَّةً
مِنْ مُرْسَلِينَ إِلَى ٱلْهُدَى بِكَ جَاؤُوا

بَيْتُ ٱلنَّبِيِّينَ ٱلَّذِي لَا يَلْتَقِي
إِلَّا ٱلْحَنَائِفُ فِيهِ وَٱلْحُنَفَاءُ

خَيْرُ ٱلْأُبُوَّةِ حَازَهُمْ لَكَ آدَمُ
دُونَ ٱلْأَنَامِ وَأَحْرَزَتْ حَوَّاءُ

هُمْ أَدْرَكُوا عِزَّ ٱلنُّبُوَّةِ وَٱنْتَهَتْ
فِيهَا إِلَيْكَ ٱلْعِزَّةُ ٱلْقَعْسَاءُ

خُلِقَتْ لِبَيْتِكَ وَهُوَ مَخْلُوقٌ لَهَا
إِنَّ ٱلْعَظَائِمَ كُفْؤُهَا ٱلْعُظَمَاءُ 

بِكَ بَشَّرَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاءَ فَزُيِّنَتْ
وَتَضَوَّعَتْ مِسْكًا بِكَ ٱلْغَبْرَاءُ 

بَدَا مُحَيَّاكَ ٱلَّذِي قَسَمَاتُهُ
حَقٌّ وَغُرَّتُهُ هُدًى وَحَيَاءُ

وَعَلَيْهِ مِنْ نُورِ ٱلنُّبُوَّةِ رَوْنَقٌ 
وَمِنَ ٱلْخَلِيلِ وَهَدْيِهِ سِيمَاءُ

أَثْنَى ٱلْمَسِيحُ عَلَيْهِ خَلْفَ سَمَائِهِ
وَتَهَلَّلَتْ وَٱهْتَزَّتِ ٱلْعَذْرَاءُ 

يَوْمٌ يَتِيهُ عَلَى ٱلزَّمَانِ صَبَاحُهُ
وَمَسَاءُهُ بِمُحَمَّدٍ وَضَّاءُ

ٱلْحَقُّ عَالِي ٱلرُّكْنِ فِيهِ مُظَفَّرٌ
فِي ٱلْمُلْكِ لَا يَعْلُو عَلَيْهِ لِوَاءُ 

ذُعِرَتْ عُرُوشُ ٱلظَّالِمِينَ فَزُلْزِلَتْ

وَعَلَتْ عَلَى تِيجَانِهِمْ أَصْدَاءُ

يشير بها إلى أثر الرّسالة المحمديّة في زوال الظّلم والطّغيان حيث زلزلت العروش وارتفعت أصداء الحق في تصوير درامي يبرز انتصار القيم النّبويّة

و قصيدة ولد الهدى ليست مجرّد مدح للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بل هي وثيقة فنّيّة ودينيّة تجسّد التقاء الشّعر بالقداسة والفن بالإيمان فأحمد شوقي من خلال هذه القصيدة لم يخلّد لحظة المولد فحسب بل أعاد تشكيل الوعي الشّعري العربي حول شخصية النّبي ليصبح النّص مرآة للروح النّبويّة ومعلقة حديثة في سماء الأدب الإسلامي

عكـس الاتّـجاه نيـوز

الحقيقـة الكاملـة

معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى