مقالات

أمي طلبت الطّلاق من حلم وأبي يطالب بحق الرّد في المنام التّالي

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة
الحلقة الأولى من سلسلة تحت الوسادة
في لحظة صفاء نادرة وبين رشفة قهوة مرّة كأخبارنا اليومية تسلل إلى ذاكرتي مشهد لا يُنسى و هو أمي تطلب الطّلاق من أبي وهي تبكي بحرقة لا بسبب خيانة واقعية بل لأن حلماً زارها ليلاً ورأت فيه أبي نائماً مع سيدة أخرى لا دليل و لا شهود و لا تسجيلات صوتية فقط حلم ومع ذلك كان كافياً لزعزعة الثقة وهدم ما بُني على سنوات من العشرة

لكن ما علاقة هذا الحلم بالمجتمع ؟

نحن نعيش في مجتمع باتت فيه الأحلام أكثر صدقاً من التّصريحات والحدس أكثر دقة من الإحصاءات حين ترى إمرأة أن زوجها قد خانها في المنام فهي لا تتهمه بالخيانة بل تعبّر عن شعور دفين بعدم الأمان عن خوف من التهميش عن هشاشة العلاقة التي لا تحتاج إلى خيانة فعلية لتنهار بل يكفي أن تهتز في اللاوعي

هذا تمامًا ما يحدث في بيوتنا و في مؤسّساتنا و في علاقاتنا الاجتماعية فنحن نعيش في زمن تُطلب فيه الطلاق من فكرة وتُقطع فيه الصلات بسبب شعور وتُلغى فيه الصداقات لأن أحدهم حلم أنك لم تعد تهتم لقد أصبح الحلم مرآةً للواقع لا هروباً منه

أمي لم تكن ضحية وهم بل كانت ضحية مجتمع لا يمنح المرأة مساحة للشك ولا للرغبة في تفسير مشاعرها دون أن تُتهم بالمبالغة وحين طلبت الطلاق لم تكن تطلب نهاية الزواج بل كانت تطلب بداية فهم جديد أن ما يُرى في الحلم قد يكون صرخة من الواقع وأن ما يُقال في لحظة غضب قد يكون نتيجة تراكمات لم يُسمح لها بالظهور

في مجتمعنا نُربّى على كبت المشاعر على تجاهل الإشارات على اعتبار الأحلام مجرد تفاهات ليلية لكن الحقيقة أن كثيراً من الانهيارات تبدأ من تحت الوسادة من تلك اللحظة التي يشعر فيها الإنسان أن من ينام بجانبه لم يعد يشاركه الأمان حتى لو لم يخنه فعليّاً

لذلك حين طلبت أمي الطلاق من حلم كانت أكثر صدقاً من كثيرين يواصلون الحياة الزوجية رغم أن الواقع نفسه أصبح كابوساً
و كانت تقول لنا دون أن تدري لا تنتظروا الخيانة لتنهوا علاقة ولا تنتظروا الضرب لتشعروا بالألم فأحياناً يكفي أن تحلم لتعرف أن هناك شيئاً ما لم يعد على ما يرام

وبين رشفة قهوة وأخرى أدركت أنّ أمي لم تكن تبالغ و كانت تسبقنا جميعاً في فهم أن المجتمع لا ينهار من الأفعال فقط بل من الأحاسيس المكبوتة و من الأحلام المهملة ومن تجاهل تلك اللحظات الصغيرة التي تقول لنا انتبهوا فالثقة لا تُبنى فقط على اليقظة بل على ما يحدث حين نغمض أعيننا أيضاً

عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى