الصّناعة الدّوائيّة في سوريا بين الوهم الوطني والحقيقة التّحويليّة

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة
في ظل الأزمات الاقتصاديّة والسياسيّة التي تعصف بسوريا منذ أكثر من عقد تبرز الصّناعة الدّوائيّة كواحدة من القطاعات التي ينظر إليها باعتزاز وطني وتروج على أنها ركيزة من ركائز الاكتفاء الذاتي غير أن هذا الاعتزاز غالبا ما يغفل عن حقيقة جوهرية أن ما يسمى صناعة دوائية في سوريا هو في جوهره صناعة تحويليّة تعتمد بشكل شبه كامل على استيراد المادة الفعالة من الخارج وتقتصر على عمليات التركيب والتعبئة والتوزيع فهل يمكن اعتبار هذا النموذج صناعة دوائية حقيقية أم أنه مجرد وهم وطني يستخدم لتغطية هشاشة البنية الصناعية
البنية العلمية للصناعة الدوائية
بالحقيقية تبدأ من تصنيع المادة الفعالة وهي جوهر الدواء ومصدر فعاليته في سوريا لا توجد مصانع متخصصة لإنتاج هذه المواد بل يتم استيرادها من دول مثل الهند الصين وإيران أو كوريا أو أوربا و ما يجري محليا هو تركيب المادة الفعالة مع سواغات وتشكيل الدواء في صور مختلفة مثل اقراص وكبسولات ومراهم ومحاليل ثم التعبئة والتغليف وفق معايير الجودة وإجراء اختبارات رقابة نوعية محدودة هذا النموذج يصنف علميا على انه صناعة تحويلية دوائية وليس صناعة دوائية مكتملة الاركان
و غياب البحث العلمي الصيدلاني ومراكز تطوير المواد الفعالة يضعف القدرة على الابتكار ويجعل الصناعة رهينة للتقنيات المستوردة
الابعاد الاقتصادية للصناعة التحويلية
من الناحية الاقتصادية تسهم الصناعة التحويلية الدوائية في توفير فرص عمل محدودة في مجالات التركيب والتعبئة والمخبري وتقليل فاتورة الاستيراد الجزئي عبر تصنيع محلي للمنتج النهائي وتحقيق هامش ربح للشركات المحلية من خلال تسويق الدواء داخليا وخارجيا لكنها في المقابل تبقي الاقتصاد السوري تابعا لسوق المواد الاولية العالمية وتعرض الصناعة لمخاطر تقلبات الاسعار العالمية والحصار وصعوبات الشحن وتضعف القدرة على التحكم في تكلفة الدواء النهائي خاصة في ظل ارتفاع اسعار الطاقة والضرائب وغياب استراتيجية وطنية لتوطين انتاج المادة الفعالة يجعل هذه الصناعة غير مستدامة وتفتقر الى السيادة الاقتصادية الحقيقية
و إن موقع الصناعة الدوائية ضمن التصنيف الصناعي وفق التصنيفات الصناعية الدولية تقسم الصناعات الى ثلاثة مستويات رئيسية
١- صناعة اولية وهي انتاج المواد الخام مثل الزراعة واستخراج الفوسفات
٢- صناعة تحويلية وهي تحويل المواد الخام الى منتجات مثل تركيب الدواء من مادة فعالة مستوردة
٣- صناعة نهائية وهي انتاج المنتج الكامل من المادة الخام وهي غير متوفرة في قطاع الدواء السوري
وبالتالي فإن ما يمارس في سوريا هو تحويل المادة الفعالة المستوردة إلى منتج دوائي قابل للاستخدام مما يضعه ضمن الصناعة التحويلية وليس النهائية أو الابتكارية
وهنا تكمن عددة
تحديات وتكون الفرص المستقبلية
أمام عدة خيارات
و أبرز التحديات
١- غياب البنية التحتية لانتاج المادة الفعالة
٢- ضعف التمويل البحثي والتقني
٣- غياب الحوافز الحكومية لتوطين الصناعة
٤- ارتفاع تكاليف الانتاج والنقل والضرائب
وخيارات الفرص الممكنة
١- انشاء مصانع لانتاج المواد الفعالة عبر شراكات دولية
٢- دعم البحث العلمي الصيدلاني في الجامعات
٣- تطوير سياسات تحفيزية للصناعات الاستراتيجية
٤- بناء منظومة رقابة نوعية مستقلة وفعالة
واعادة تعريف الصناعة الدوائية في سورية هي
ما يسمى بالحقيقة صناعة تحويلية دوائية تفتقر الى الاستقلال العلمي والتقني وتعتمد على الخارج في جوهر المنتج الاعتراف بهذه الحقيقة لا يضعف من قيمة الجهد المحلي بل يشكل نقطة انطلاق نحو بناء صناعة دوائية حقيقية قائمة على الابتكار والسيادة والاستدامة ان اعادة تعريف المفاهيم الصناعية وتحرير الخطاب الاقتصادي من المجاملات الوطنية هو الخطوة الاولى
نحو نهضة صناعية حقيقية فالوهم لا يصنع دواء والدواء لا يصنع من دون مادة فعالة وطنيّة
عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً