المقالات

الشّارع ينتفض في وجه السلطة: الآتي أعظم…(سفير الشمال: عبد الكافي الصمد)

منذ أشهر وأصوات كثيرة ترتفع منذرة بأن الوضع سينفجر بين لحظة وأخرى، لأن الأحوال الإقتصادية والمعيشية والإجتماعية للمواطنين لم تعد تحتمل، وأنه يتوقع منهم أن يقوموا بأي شيء بعدما سُدّت جميع السبل في وجههم، وبعدما باتت قدرتهم على التحمّل ضعيفة، وبالتالي فإن احتمال خروج الأمور عن السيطرة باتت مسألة وقت فقط.

أمس تحققت هذه المخاوف على الأرض، بعدما شهدت شوارع وساحات العاصمة بيروت ومدن طرابلس وصيدا وبعلبك وحلبا وغيرها، كما بقية المناطق اللبنانية، إحتجاجات خرجت عن السيطرة، ورافقها أعمال شغب وقطع طرقات وتوقيفات، وهي لم تتراجع إلا مع حلول المساء، لكن الجمر ما يزال تحت الرماد، وما حصل أمس لم يكن سوى البداية.

بعفوية ومن غير أن يتبنى أي طرف سياسي الدعوة لتحركات أمس، نزل إلى الشوارع آلاف اللبنانيين الذين يعيشون في ضائقات على كل المستويات، وهم بعدما بحّت أصواتهم ولم يجدوا من يستمع إليهم أو يلتفت إليهم، لم يجدوا إلا الشارع متنفساً لهم، برغم ما يحمله نزول هؤلاء إلى الشارع من مخاطر على الإستقرار العام.

ما حصل يوم أمس لم يكن سوى جرس إنذار يقول بأن الآتي سيكون أعظم، وأن الأوضاع المعيشية والإقتصادية التي حذر كثيرون من إنفجارها قد انطلقت شرارتها، وأن تخلي الدولة عن واجباتها تجاه مواطنيها لن يبقى دون ردود فعل غاضبة.

من تمعّن أمس في وجوه الذي نزلوا إلى الشوارع والساحات، ومن استمع إلى كلامهم وإلى شكاويهم، لمس حجم اليأس الذي يعانون منه، وانعدام الأمل لديهم بغد أفضل، واطمئنانهم إلى مستقبلهم، وعدم ثقتهم بسلطة لم تساعدهم في تحقيق الحد الأدنى من طموحاتهم، لا بل إنها أسهمت عن سابق إصرار في تدمير هذه الطموحات وفي قتل أحلامهم في مهدها.

الشوارع والساحات إمتلأت بالعاطلين عن العمل، سواء من حاملي الشهادات أو أصحاب المهن والحرف ومن يملكون خبرات معينة، ونزل إلى الشارع من لم يجد مستشفى يعالج فيه أحد أفراد عائلته بلا واسطة بعد معاناة وإذلال، ومن لم يستطع تسويق تصريف إنتاجه من الصناعة أو الزراعة، ومن يعاني من جمود في حركة البيع والشراء، ومن لم يستطع تأمين قسط المدرسة أو الجامعة لأبنائه، ومن يستدين ليدفع إيجار بيته قبل رميه في الشارع، ومن يستعطي الآخرين ليأكل ويسد رمقه قبل أن يموت جوعاً.

ومن خرج إلى الشارع إنما فعل ذلك في مواجهة سلطة وطبقة سياسية لم تستطع تأمين الحدّ الأدنى من العيش الكريم لمواطنيها، وعجزوا عن حلّ أبسط المشاكل، من الكهرباء إلى الماء وأزمة النفايات، فضلاً عن البطالة التي باتت تجعل حلم كل شاب نزل إلى الشارع أمس أن يهاجر إلى أي بلد آخر، وترك البلد عرضة للنهب والسرقة والمحاصصة والفساد من قبل طبقة سياسية وضعت مصالحها في المقدمة، ولو كان ذلك على حساب مصالح مواطنين بلد لم يجدوا سوى الشارع متنفساً لهم للتعبير عن غضبهم، في تطوّر يحمل الكثير من المخاطر، لأن الآتي سيكون أعظم إذا استمر على ما هو عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى