مقالات

الـMBC.. الوجه الآخر لأجندات واشنطن و”تل أبيب”

عادل الجبوري

قد لا تكون المرة الأولى التي تتسبب فيها وسيلة إعلام سعودية بإثارة غضب ملايين الناس، من العراقيين وغير العراقيين، بسبب الإساءة إلى رموز دينية ووطنية، أو تجاوزها معتقدات وتوجهات معينة. فقبل التقرير الذي ظهر على شاشة قناة MBC قبل عدة ايام، والذي وصفت فيه عددًا من شهـ..ـداء قيادات المـقـاومة في العراق وايران ولبنان بالإرهـ.ـابيين، وصنفتهم في خانة الإرهـ.ـابي أسامة بن لادن. قبل ذلك، حفلت قنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية سعودية ببث ونشر الكثير من الموضوعات والبرامج المسيئة لرجال دين وقيادات سياسية وعسـ.ـكر ية مـقـاومة وكيانات ومؤسسات، مثل الـ.ـحشد الشعبي وحـ.ـزب الله اللبناني وحركة أنـ.ــصار الله اليمنية، وغيرها.غالبًا ما كانت تأتي الإساءات من المؤسسات الإعلامية السعودية، وحتى غير السعودية، في توقيتات مدروسة ارتباطًا بظروف واوضاع وحسابات خاصة، تندرج في إطار توزيع مهام وأدوار ضمن أجندات ومشاريع كبيرة، ترسمها وتديرها وتوجهها مراكز القرار الغربية المعادية لمحور المـقـاومة، وتحديدًا من واشنطن ولندن و”تل أبيب”.في هذا الصدد؛ لا بدّ من الإشارة إلى جملة أمور لكي تكون الصورة واضحة بمجمل أبعادها وجوانبها، ولا يقتصر التعاطي والتقييم مع واقعة الفعل الأخير للــــMBC وردود الفعل الغاضبة عليه، والتي وصلت إلى حد اقتحام مئات المواطنين العراقيين مكتبها في بغداد، وتدمير ممتلكاته وإحراقه.

الأمر الأول: تعدّ القناة المذكورة من المؤسسات الإعلامية الرسمية في المملكة العربية السعودية، وهي خاضعة لتوجيه ورقابة صارمة، ومن غير الممكن لها أن تجتهد وترتجل في قضايا حساسة وخطيرة.

هذا فضلًا عن المؤسسات الإعلامية غير الرسمية، والتي هي الأخرى لا يمكنها السباحة عكس تيار السلطة؛ بل لا يمكنها أن تحيد ولو قليلًا عن المسارات والخطوط المرسومة سلفًا، واذا كان هناك هامش صغير من حرية الطرح، فهو يشمل قضايا اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية ثانوية ليس إلّا.

الأمر الثاني: كان الإعلام السعودي- وما يزال- يتبنّى موقفًا سلبيًا عدائيًا من العراق، مؤسسات حكومية ومرجعيات دينية وقوى سياسية ومكونات مجتمعية، بالرغم من حصول تطور يعد مقبولاً في العلاقات بين بغداد والرياض خلال الأعوام القليلة الماضية.لعلّ الكثيرين يتذكرون المقدار الكبير من الضخ التحريضي للإعلام السعودي ضد العراق، خلال حربه ضد تنظيمي “القاعد ة” و”داعش” الإرهـ.ـابيين، وتصديه للفتنة الطائفية التي أريد لها أن تغرقه في بحر من الدماء. وكان هذا الضخ الإعلامي متساوقًا ومترافقًا مع الفتاوى الدينية التكفيرية للمؤسسات والشخصيات الدينية السعودية، وتدفق الانتــ.ـحاريين السعوديين وغير السعوديين إلى العراق، لقـ.ـتل أكبر عدد من الناس الأبرياء!.

الأمر الثالث: يتحرك الإعلام السعودي بمفاصله المختلفة ضمن مسار عام، تتحرك فيه وسائل إعلام بعض الدول الخليجية والعربية، وأبرزها الإمارات العربية المتحدة وكذلك وسائل إعلام أميركية وغربية، تبث باللغة العربية إلى جانب بثها باللغة الإنجليزية، فضلًا عن لغات أخرى، إلى جانب وسائل الإعلام الصهـــيونـ.ـية.

لقد بدا ذلك واضحًا إلى حدٍّ كبير في التعاطي مع مجمل وقائع معركة “طـ.ـوفان الأقصى” والـ.ـعـ.ـدوان الصهـــيونـ.ـي على فلسـ.ـطين ولبنان، وما خلفه ذلك الـ.ـعـ.ـدوان من مجـ ـازر مروعة يندى لها جبين الإنسانية.إذ إنّ القنوات الفضائية، “العربية” و”الحدث” و”سكاي نيوز” و”أبو ظبي”، والصحف، “الشرق الاوسط” و”الاتحاد” و”البيان”، ومختلف وسائل الإعلام السعودية والإماراتية ومنصات التواصل التابعة لها، كانت تدور في فلك الإعلام الأميركي والصهـــيونـ.ـي، بل إنها بدت وكأنّها صدى لقناة الحرة وقناة CNN، وللقنوات 12 و13 و14 الصهـــيونـ.ـية. وأكثر من ذلك، كانت، في كثير من الأحيان، تبدو لمن يتابعها أنها “ملكية أكثر من الملك”، حيث إن مساحة النقد وإبراز جوانب من جرائم الكيان الصهـــيونـ.ـي غابت عنها تمامًا، في حين إنه حتى في وسائل الإعلام الصهـــيونـ.ـية، هناك انتقادات حادة لكبار قادة الكيان وتشخيص لسياساتهم المتهورة وخطواتهم الحمقاء، وإن كان جوهر تلك الانتقادات لا يندرج في إطار الدفاع عن الفلسـ.ـطينيين واللبنانيين بقدر الدفاع عن الصـ.ـهاينة النازحين وساكني الملاجيء.

من أقرب مصاديق ذلك التحرك في المسارات ذاتها، هو أن إساءات قناة MBC السعودية لرموز المـقـاومة وقادتها، جاءت متزامنة تقريبًا مع إساءات القناة 14 الصهـــيونـ.ـية للمرجع الديني الكبير آية الله العظمى السـ.ـيـ.ـد علي السيستاني.

الأمر الرابع: مثلت قناة MBC، من خلال فرعها العراقي MBC عراق، والذي افتتح في السابع عشر من شهر شباط/ فبراير 2019، أحد أدوات الحر ب الناعمة التي استهـ.ـدفت القيم الدينية والأعراف الاجتماعية والثوابت الاخلاقية للمجتمع العراقي، فمختلف برامجها وأعمالها الدرامية والكوميدية كانت تنطوي على رسائل سلبية للغاية، وتؤسس لثقافة مشوهة، وتعمل على تسطيح الوعي، والإساءة إلى الرموز بأشكال واساليب وصور مختلفة.

ممّا لا شك فيه أن الاحاطة بكل أبعاد الصورة وجوانبها، يتيح فهم وتفهم ذلك الغضب الشعبي العراقي، وتقدير صوابية قرار الجهات العراقية الرسمية المختصة بإلغاء رخصة القناة السعودية. وهذا ما يفترض أن يشمل قنوات عربية وأجنبية أخرى تسير على المنوال نفسه. هذا فضلًا عن وجوب قيام القنوات الفضائية العراقية بمقاطعة المروجين والمسوغين، بشكل أو بآخر، لجرائم الكيان الصهـــيونـ.ـي من كتّاب ومحللّين سياسيين وأصحاب رأي؛ لأن كل خطأ أو تجاوز ينبغي أن يقابل بحزم يتناسب وطبيعته ومستوى خطورته وحقيقة أهدافه وأجنداته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى