وكالات

لماذا قرّر الرئيس الروسي “تقبيل” القرآن؟

ولماذا لا يُداعب الغرب مشاعر المُسلمين؟ وكيف تخطّى بوتين “عقليّة الاتحاد السوفيتي” وُصولاً للتسامح الديني؟.. ما حُكم تقبيل “غير المُسلم” للمُصحف؟ وماذا عن دراية رئيس روسيا بالآيات القرآنيّة واستشهاده بها؟

عمان- “رأي اليوم”

خالد الجيوسي:

يتزايد العداء للمُسلمين من قبل الحكومات الغربية وليست الشعوب، وصولاً لقمع الآراء السياسية المُتعلّقة بدعم الأمريكيين المُسلمين لغزة ضد الكيان في المؤتمرات الانتخابية للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس ومُصادرة اللوحات الداعمة لفلسطين، إلى جانب تصريحات مُعادية للرئيس الأمريكي السابق المرشح الجمهوري دونالد ترامب بإصراره على إحياء حظر المُسلمين في حملته للفوز بانتخابات الرئاسة، يبدو المشهد مُغايرًا إعلاميًّا حين يظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الصورة، وعلاقة الأخير بالإسلام.استطاع الرئيس الروسي تسليط الأضواء بذكاء عليه، وهو يزور جمهورية الشيشان، وهي زيارة أولى مُنذ 13 عاماً، حين ظهر في مقطع فيديو من الزيارة، وهو يُقبّل القرآن الكريم، بل وصل الأمر مع بوتين إلى احتضان القرآن، وذلك في مسجد النبي عيسى في العاصمة غروزني، حيث بادر مفتي الشيشان بفتح المصحف على آية سورة الأنفال: “وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى”، ثم قرأها وترجمها للرئيس الروسي، ثم قبّل بوتين نسخة القرآن قبل أن يحتضنها ويلتقط صورة تذكارية له مع قديروف، ومُفتي الشيشان.وحظي تصرّف الرئيس الروسي بإعجاب واسع من المسلمين حول العالم، ومنهم الأتراك كما نقل عنهم موقع روسيا اليوم، فعلّق أحد الأتراك على الفيديو بالقول: “سيدي رئيس روسيا، أحبك على هذا الاحترام، احترامي لك لا حدود له”.ينجح الرئيس الروسي في مُداعبة مشاعر المُسلمين، وهذه المرّة ليست المرّة الأولى التي يفعلها الرجل، حيث أنه خلال العام الماضي، احتضن بوتين القرآن في زيارته لمدينة دربند الروسية، وذلك ردًّا على حرقه في السويد، بينما تغيب تلك الردود الفاعلة إعلاميًّا عربيًّا، وإسلاميًّا، أو مشاهد التعاطف الإعلامية كونهم مُسلمين بالأحرى.ولا يبدو الرئيس الروسي مُهتمًّا بالقرآن على صعيد “تقبيله واحتضانه” ضمن مشهد إعلامي فحسب، بل هو على دراية بآياته، حيث كان قد استشهد بآيات من القرآن، خلال اجتماع مع ممثلي الجمعيات الدينية، حيث قرأ آيات من سورة الشورى: “ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ”.وتأتي تلك الزيارة في وقتٍ تُحاول فيه روسيا التصدّي للتوغل الأوكراني في منطقة كورسك، ورغبة الشيشان ومُقاتليها المُسلمين في مُساعدة روسيا في تحرير كوست التي احتلّتها قوّات أوكرانية.هذه الزيارة، تعرّضت للانتقادات، حالها حال الحرب الروسية على أوكرانيا، وقال البعض بأن التسامح الديني الذي يُظهره الرئيس الروسي ليس إلا في إطار الدعاية السياسيّة، لكن خلفيّة الرئيس بوتين، ونشأته في ظل الاتحاد السوفيتي، ورفض الأخير (السوفيتي) للمساجد والكنائس، وإقامة الشعائر الدينية بشكل عام يقول البعض الآخر، كفيلة بوضع الرئيس بوتين في كفّة العداء للأديان، لا التسامح، ولكن الرجل أظهر تسامحًا ملموسًا، وتحديدًا مع الإسلام يتخطّى اتهامات الدعاية السياسية، ففي روسيا ستّة آلاف مسجد، وملايين المسلمين الذين يحظون بكامل الحقوق بالعبادة.وإلى جانب جدل الدعاية السياسية، لا بد من الفتاوى الدينية أن تحوم وتجول حول مشهد تقبيل الرئيس بوتين “غير المُسلم” للقرآن رغم تصريحه السابق الذي قال فيه: روسيا تكن احتراما شديدا للقرآن ولمشاعر المسلمين الدينية، وعدم احترام هذا الكتاب المقدس في روسيا جريمة”، وتمحور الجدل حول إن كان ذلك يجوز ولا يجوز شرعًا، بالرغم أن الأزهر الشريف كان قد أشاد العام الماضي بموقف الرئيس الروسي تجاه “الإساءات المتكررة بحق القرآن الكريم”.وقال الأزهر، في بيان نشر على موقعه الرسمي: “يحيي الأزهر الموقف الشجاع الذي وقفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يحمل المصحف، ويدافع عن مقدسات المسلمين، ويعبر عن احترامه للإسلام”.كما علّق وكيل وزارة الأوقاف المصري سعد الفقي على احتضان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نسخة من المصحف الشريف وتقبيله أثناء زيارته إلى الشيشان، وأوضح الفقي أن ذلك برهان ساطع على أن روسيا تحترم وتقدر الأديان والعقائد وأن الرئيس بوتين من الزعماء الكبار ويقود دولة كبيرة ورائدة وله علاقات متوازنة مع جميع الدول باستثناء محور الشر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب وسائل إعلام مصرية.ويُؤمن الرئيس بوتين بالأخوّة والتعايش الديني، حيث قال خلال زيارة سابقة لمسجد الجمعة في مدينة دربند: “بطريرك روسيا يؤكد لنا دومًا أن المسلمين إخوتنا، وهذا هو الحال لدينا”، ولكن الفتاوى المُتشدّدة ذهبت لعدم جواز فعلة بوتين، والاستشهاد بآيات قرآنية “لا يمسه إلا المطهرون”.بكُل الأحوال، يستطيع الرئيس بوتين التعامل بفوقيّة، وغطرسة مع المسلمين، ويفرض عليهم رغباته السياسية والعسكرية، كما يفعل قادة الغرب مع الزعماء العرب، والمُسلمين، وتنفيذ مشاريعهم الاستعمارية، وخططهم التآمريّة، وحالة التبعية والأوامر، لكن الرجل فضّل مُراعاة مشاعر المُسلمين، واحترام كتابهم الكريم، ليحظى باحترام كبير وإعجاب ملموس، على الأقل هذا ما تقوله الأصوات المُعجبة بالرئيس بوتين على المنصّات التفاعلية، على عكس همجية بعض حكومات الغرب، التي تُحارب الإسلام، والحجاب، حيث تعد الديانة الإسلامية في أمريكا الثالثة بعد المسيحية واليهودية، وفي بريطانيا وفرنسا تحتل المرتبة الثانية، ورغم ذلك تُعاديهم تلك الحكومات، وهو عداء لعلّه بدأ مع العبارة الشهيرة التي استخدمها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش 11/سبتمبر العام 2001، حين استخدم بوش عبارة “حملة صليبية” بحربه المزعومة على الإرهاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى