وكالات

من قتل بريغوجين؟ وهل سيتأثر دور “فاغنر”؟

شارل أبي نادر

أكدت وكالة النقل الجوي الفدرالي الروسية أنّ قائد مجموعة “فاغنر” العسكرية يفغيني بريغوجين، قُتل بسبب تحطم الطائرة في شمالي العاصمة موسكو، مع طاقم الطائرة المكون من ثلاثة طيارين وستة من قادة المجموعة بينهم دميتري أوتكين، والذي شارك في تأسيس المجموعة العسكرية الروسية، وكان مشرفاً على عملياتها خارج روسيا.

حول الحادثة، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تعازيه لعائلات ضحايا حادثة تحطم الطائرة، قائلًا إنّ بريغوجين “رجل واجه أقداراً صعبة، وارتكب أخطاءً جِدية، لكنّه كان رجل أعمال موهوبًا حيث كان يعمل في روسيا والخارج، ولا سيما في أفريقيا، في مجالات النفط والغاز وغيرهما”، مشيراً إلى أنّه “قابل مسؤولين روسًا عند عودته من أفريقيا”. ولم ينس الرئيس الروسي في تصريحه الاشارة الى أنّ فاغنر قدّمت مساهمة كبيرة في الحرب ضد النازية في أوكرانيا، لافتاً إلى أنّ “روسيا تتذكر ذلك، ولن تنساه أبداً، وختم بأن التحقيقات جارية في ملابسات الحادثة”.

لا شك أن الكثير من التساؤلات الغامضة تحيط بحادثة القتل هذه، والتي أجمع من هم داخل وخارج روسيا على أنها عملية استهداف أكيدة وثابتة للطائرة من الداخل بعبوة ناسفة على شكل قنبلة تقليدية أو غير تقليدية، أو من الخارج بصاروخ أرض – جو أو جو – جو أو بطائرة مسيرة، انتحارية أو طائرة درون قاذفة، واكبت طائرة بريغوجين واستهدفتها.

بمطلق الأحوال، مهما كان السلاح الذي أسقط طائرة بريغوجين، يبقى المهم هو الأسئلة التالية:

من هو المسؤول عن هذا الاستهداف؟ ولماذا؟ وهل تتأثر أدوار ومهام فاغنر بمقتل مؤسسها وقائدها؟

لناحية المسؤولية عن مقتله، تكثر الاحتمالات المتعادلة تقريبًا، والتي يمكن الإشارة إليها كالتالي:

هل أمر الرئيس بوتين بتصفية بريغوجين “الخائن” كما ألمح في أحد تصريحاته دون أن يذكره تحديدًا، تعليقًا على محاولة الانقلاب التي قادها ضد القيادة العسكرية الروسية، اذا لم نقل ضد الكرملين والرئيس بوتين شخصيًا؟

عدد غير بسيط من المتابعين لا يستبعدون هذه الفرضية، رغم الكلام “الإنساني” الذي صدر عن بوتين بعد مقتل بريغوجين، معتبرين أن العقل المخابراتي “البوتيني”، لا يمرر مثل هذه المحاولة الجريئة للانقلاب، وبهذه الطريقة غير العادية المشبعة بالتحدي للقيادة الروسية وللرئيس شخصيًا، وفي توقيت صعب وحساس جدًّا تمر به روسيا اليوم في حربها ضد الغرب الأطلسي في أوكرانيا.

من ناحية ثانية، بعض المتابعين الآخرين وعددهم غير بسيط، يستبعدون فرضية مقتل بريغوجين بأمر من بوتين أو حتى بقرار روسي عسكري أو مخابراتي، حيث هذه الفرضية الأخيرة أيضًا واردة من قبل إحدى الوكالات السرية في وزارة الدفاع الروسية، ودون علم بوتين، وهؤلاء المتابعون يعتبرون أن ظروف الحادثة ودوافع أعداء روسيا الأقوياء والقادرين، أي الأميركيين، غير بعيدة عن تدبير عملية مقتل بريغوجين، فهم لديهم كل النقاط التي ترفع من مستوى مسؤوليتهم عن ذلك:

  • الأميركيون أو الغربيون بشكل عام، لديهم القدرة التقنية والفنية والعسكرية لاستهداف الطائرة بسلاح تقليدي متطور أو غير تقليدي، من الأجواء القريبة أو من الفضاء الخارجي البعيد حتى، وليس بالضرورة أن يكتشف الروس ذلك، حيث إنهم أحيانًا يفشلون في اكتشاف بعض المسيرّات الاستثنائية التي يطلقها الأوكران وتصل الى أجواء موسكو وإلى منشآت عسكرية ونفطية روسية حساسة، بعد أن تفشل منظومات الرصد والدفاع الجوي الروسية المتطورة في التقاطها.
  • الحافز أو الدافع لقيام الأطلسي بعملية كهذه موجود أيضًا وبقوة، فمجموعة فاغنر بقيادة بريغوجين لعبت دورًا فاعلًا في الحرب في أوكرانيا وخاصة في السيطرة على باخموت وغيرها، وللمجموعة دور ناشط ضد مشاريع الغرب في كثير من الدول مثل سوريا وليبيا والسودان وبعض دول الساحل الافريقي. وقد يكون تصريح بريغوجين الأخير قبل مقتله حول قراره توسيع عمل مجموعته في الساحل الافريقي لمحاربة الارهاب ولرفع يد موسكو عاليًا خارج الحدود الروسية، اعتُبِر عمليًا محاربة للنفوذ الغربي الذي بدأ ينهار ويتلاشى في تلك المنطقة بعد انقلابات مالي وبوركينا فاسو والنيجر مؤخراً، هو الحافز الطارىء الذي دفع الأطلسي لتنفيذ عملية اغتيال بريغوجين.
  • يبقى هناك احتمال وارد وهو أن تكون عملية الاغتيال حصلت من قبل مجموعة تخريبية استطاعت اختراق حرس طائرة بريغوجين والمسؤولين عن تأمينها وتجهيزها قبل الرحلة مباشرة، وادخال عبوة ناسفة مركزة إلى الطائرة قبل اقلاعها مباشرة لتنفجر في الجو.

بكل موضوعية، تتساوى فرضيات من هو المسؤول عن اغتيال بريغوجين بين القيادة الروسية أو الغرب الاطلسي أو مجموعة تخريبية مرتبطة بالروس أو بالأطلسي أو ربما قد تكون قد عملت وحدها لاعتبارات خاصة، ولكن يبقى السؤال الأهم اليوم للروس وللغرب الأطلسي: كيف يمكن أن يتأثر دور مجموعة فاغنر بعد مقتل قائدها وبعد مقتل دميتري أوتكين الذي كان مشرفاً على عملياتها خارج روسيا؟ وهل تنسحب المجموعة من مهامها الحساسة حول العالم وفي هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم ويعيشها الاشتباك الاستراتيجي بين الشرق وبين الغرب؟

في الواقع، من خلال العودة إلى الإجراءات التنظيمية والإدارية الجديدة المقترحة لإعادة تنظيم مجموعة فاغنر، والتي كانت وزراة الدفاع الروسية قد وضعتها للتنفيذ قبل محاولة بريغوجين الانقلابية، والتي كانت من الأسباب الرئيسية لقيام بريغوجين بتلك المحاولة الفاشلة، يمكن تلمس مستقبل المجموعة العسكرية الخاصة “فاغنر”، حيث طريق انخراط العدد الأكبر ضمن مؤسسات وزارة الدفاع الروسية أصبح واضحًا وأكيدًا، ليبقى مصير الرافضين للانخراط هو الاستبعاد من المجموعة، ولتكون مغامرة اعطاء دولة كبرى مثل روسيا صلاحية غير محدودة أو واسعة لمجموعة عسكرية خاصة غير مرتبطة تنظيميًا وعسكريًا بقياداتها، مغامرة خطيرة وغير مدروسة، قد لا تتكرر بعد اليوم بالنسبة لموسكو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى