الشراكة الصينية السورية: مشروع انفراج أو وعد مؤجل؟
ليلى نقولا
يشكّل الموقع الجغرافي لسوريا أهمية استراتيجية – اقتصادية للدول التي تسعى للاستثمار في المنطقة، وأهمها الصين.خلال زيارة تاريخية قام بها الرئيس السوري بشار الأسد وعقيلته للصين، تمّ الإعلان عن توقيع اتفاقيات “شراكة استراتيجية” بين البلدين، وصفها الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنها “محطة مهمة في تاريخ العلاقات الثنائية”، ودعا إلى رفع جميع العقوبات “غير المشروعة والأحادية” المفروضة على سوريا فوراً، مؤكداً أن الصين تدعم التسوية السياسية للأزمة فيها وتحسين علاقات دمشق مع باقي الدول العربية، كما تدعمها في إعادة الإعمار وتعزيز بناء القدرة على مكافحة الإرهاب.ماذا تعني هذه الشراكة الاستراتيجية؟منذ الإعلان عن مبادرة الطريق والحزام الصينية، بات بناء “الشراكات الاستراتيجية” أحد أهم أبعاد الدبلوماسية الصينية. وقد زاد عدد الدول التي تقيم معها الصين الشراكات بشكل مطرد منذ عام 2016.وبعكس السياسة الخارجية الأميركية التي تُبنى على أساس استخدام وسائل صلبة وناعمة، وعلى اعتماد وسائل الضغط المختلفة، حتى على الحلفاء، تُبنى السياسة الخارجية الصينية على أساس المصالح المشتركة مع الدول الأخرى، فتعمد إلى استخدام مبدأ الشراكات كأدوات جيوسياسية للقوة والنفوذ العالمي والإقليمي بدلاً من التحالفات التي يستخدمها الأميركيون بشكل عام.تدرك الصين أن بناء التحالفات بالشكل التقليدي للكلمة قد يفرض على الصين التزامات تعرض المصالح الصينية لمخاطر عالية، في حين أن الشراكات يُنظر إليها على أنها أكثر مرونة وقائمة على المصالح الاقتصادية المشتركة، وعلى الالتزام المشترك بإدارة الأزمات التي لا يمكن تجنبها، بحيث تتمكَّن الصين من مواصلة التعاون الاقتصادي والتنموي، وفي المجالات الحيوية ذات الاهتمام المشترك، من دون أي التزام أمني أو سياسي منها.تتضمن “الشراكات الاستراتيجية” الصينية مستويات متعددة، إذ تبدأ بالشراكة التعاونية في الحد الأدنى، وتصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة في حدّها الأعلى من التنسيق والشراكة بين الدولتين، وذلك على الشكل التالي من الأعلى إلى الأدنى:1- الشراكة الاستراتيجية الشاملة: تفترض التعاون الكامل والشامل في الشؤون الإقليمية والدولية.2- الشراكة الاستراتيجية: تعتمد على التنسيق بشكل وثيق في الشؤون الإقليمية والدولية.3- الشراكة التعاونية الشاملة: تقوم على تعزيز التبادلات رفيعة المستوى، وتعزيز الاتصالات على مختلف المستويات، وزيادة التفاهم المتبادل حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.4- الشراكة التعاونية: تسعى إلى تطوير التعاون في القضايا الثنائية على أساس الاحترام والمنفعة المتبادلة.5- الشراكة التعاونية الودية (الصداقة): تعزيز التعاون في القضايا الثنائية مثل التجارة والاستثمارات وغيرها.وهكذا، تعمد الصين لتحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط عبر شراكات ثنائية بينية من دون تبنّي أهداف على مستوى المنطقة أو عقد تحالفات متعددة الأطراف. وتميل شراكات الصين مع دول المنطقة بشكل أساسي إلى الفئات الثلاث الأعلى الرئيسية، باستثناء “إسرائيل” التي تعقد معها “شراكة استراتيجية مبتكرة”، وهي نوع استثنائي مبتكر.بالنسبة إلى سورياتشكّل هذه الزيارة وتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع الصين استكمالاً للمسار الذي بدأته سوريا بفك العزلة التي فرضها عليها الغرب، والذي بدأ بعودتها إلى جامعة الدول العربية وبدء المسار التفاوضي للمصالحة بينها وبين تركيا.من ناحية أخرى، يشكّل الموقع الجغرافي لسوريا أهمية استراتيجية – اقتصادية للدول التي تسعى للاستثمار في المنطقة، وأهمها الصين، فهي من ناحية تجاور العراق الذي يساهم بنسبة نحو 10% من النفط الذي تستورده الصين، إضافة إلى أهمية سوريا لطريق الحرير الصيني بوجودها على المتوسط، لكونه حلقة الوصل الذي تمر عبره جميع مشاريع الممرات الاقتصادية التي تمر من آسيا إلى أوروبا.بالنسبة إلى إعادة الإعمار في سوريا، وحيث نقلت وسائل الإعلام الصينية عن الرئيس الصيني قوله إن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ستدعم إعادة الإعمار في سوريا، فالأمر يرتبط إلى حد بعيد بقدرة الشركات الصينية على تحدي العقوبات الغربية بموجب قانون قيصر، فالتجربة الإيرانية مع الشركات الأوروبية والصينية في قدرتهم ورغبتهم في تحدي العقوبات، حتى الأحادية منها، ليست مشجعة.وبناء عليه، يبدو توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين سوريا والصين والتفاؤل الصيني والوعد الذي قطعه الرئيس شي بإعادة الإعمار مرتبطاً بواحد من هذين السيناريوهين:- الأول: تصور صيني بأن تسهيلات تلوح في الأفق نتيجة تراجع الأميركيين عن سياستهم السابقة في تغيير الأنظمة والدعوة إلى الدبلوماسية والاستقرار في المنطقة، وبالتالي ستتاح للدول العربية والصين مساعدة سوريا في مقابل خطوات سياسية مقابلة، يرافقها غضّ نظر أميركي عن العقوبات، ولو من دون تحقيق تسوية شاملة.الثاني: مشروع مستقبلي واعد، ولكنه مؤجل إلى حين نضوج التسوية الشاملة في المنطقة وتبدل موازين القوى التي ستفرض التراجع الغربي عن العقوبات المفروضة على سوريا.