الأبنية الآيلة للانهيار تنتشر في الفيحاء وتهدد بكارثة إنسانية وشيكة.. عثمان بدر
في الحديث عن الفيحاء وحرمانها الممنهج منذ نيفٍ وستين عاماً تمثل امامنا ابنيتها المتصدعة والمنتشرة في مناطق “باب التبانة” و”جبل محسن” و” قبّة النصر” و”الزاهرية” و”الجسرين” و”الاسواق القديمة” وبعض احياء مدينة الميناء وسواها وتّعد بالعشرات ان لم نقل بالمئات وهي دون ادني شكٍ تهدد بكارثة انسانية وشيكة بالمعايير كافة وعلى الاصعدة جميعاً,ولعل العجب العجاب في الامر يكمن بكون “الحرب الاهلية” العبثية التي جرت على ارض الوطن وامتدت لسنوات طويلة قد وضعت اوزارها عملياً منذ قرابة الثلاثين عاماً وتوجت باتفاق “الطائف” الشهير وكُللت باعادة اعمار”القرى” و”البلدات” التي تعرّضت للقصف والدمار وتمت عودة غالبية “المهجرين” اليها وجرى التعويض عليهم الاّ في طرابلس فان التعويضات التي طالت بعض اصحاب المنازل والابنية كانت خجولة ولم ترقَ الى مستوى الامال المنشودة والابنية التي تضرّرت بفعل القصف ما زالت “واقفة” وتنتظر “هزّة” بسيطة للانهيار على رؤوس قاطنيها وهذا امر ليس متوقعاً فحسب بل لن يطول “انتظار” حصوله اذا ما بقي حالها على ما هو عليه فهي تزداد ترهّلاً يوما بعد الاخر ما يهُدّد بانهيارها في اي لحظة.
في قضية الابينة المهدّدة بالسقوط وفي سواها من القضايا الاخرى التي تعني “الفيحاء” لاينبغي ان يكون اهمال الدولة مبرراً لاهمال وزراء المدينة ونوابها ومجلسها البلدي,والحقيقة انه لا يمكن الحديث عن حرمان المدينة بمعزلٍ عن التطرق الى تقصير الوزراء والنواب الذين تربعوا على “الكراسي” منذ عهد الاستقلال الى يومنا هذا ولا يكتمل دون الاشارة الى المجالس البلدية التي تعاقبت على ادارة شؤون المدينة,فالجميع في “سلّة واحدة” ولا يستطيع اي منهم ان يزايد على الاخر فالاستهتار بحاجات المدينة واحتياجاتها سمة مشتركة للجميع,وليس خافياً على احد ان الغالبية من القيميين على الفيحاء وناسها يتنافسون في تحقيق مصالحهم الشخصية ومصالح “الازلام” و”المحسوبين” ومنشغلون بادارة مشاريعهم “التجارية” وب”الصفقات” والطلاّت التلفزيونية و ب”صب الزيت على نار الفتنة” اثناء التوترات الامنية, كما ان تقصير “المجتمع المدني” وجمعياته ومؤسساته واضح للعيان ويبدو الامر وكأن غالبية المسؤولين عنها جُل اهتماماتهم منصب على تلبية الدعوات وتصدّر الموائد وتقدم الصفوف وفي الظهور و”البروزة”. والاّ فما مبررات الصمت عما يحصل في المدينة…وهل ان السكوت مقبوض الثمن…؟
في الحديث عن الابنية الآيلة للسقوط لا بد الاّ ان نشير الى الفيحاء تحوي بين جنباتها على اكثر من 160 معلماً اثرياً تتوزع ما بين (قلعة) و(كنسية) و(مسجد) و(خانٍ) و(مدرسة) و(حمّام) و(سوق) و(سبيل ماء) و(رنوك) و(نقوش) وما الى هنالك من المعالم التي تضفي عليها رونقاً وتألقاً وتعكس الحضارات والثقافات التي مرّت على ارضها ويعود بعضها الى العصرين “البرونزي” و”الحديدي” مرورا بالعهد “الهيليني” وب”الفينيقيين”و”الرومانيين” و”الفاطميين” و”الصليبيين” و”المماليك” و”العثمانيين”,الاّ ان هذه المعالم بغالبيتها يسيّطر عليها الاهمال ويسودها الاستهتار لدرجة انها باتت مرتعاً للحيوانات الضّالة والزواحف والقوارض والحشرات وسواها وعدا عن كونها بحاجة الى اعادة ترميم وتأهيل فان بعضها يتعرّض للازالة على يد بعض (النافذين) الذين يبدو انهم يشترون بعض الذمم والنفوس المريضة والاّ فما هو مبرر صمت الجهات الرسمية والبلدية المعنية التي لاتحرّك ساكناً ازاء هذه “المجزرة” الثقافية والانسانية والاّ فما…وهل ان السكوت مقبوض الثمن…؟ …