مقالات

الشّرع يهبط في حلب قبل أن يجف حبر واشنطن ويعلن أن سوريا لا تُدار من الخارج

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة

بين إدلب وحلب السّيّد الرّئيس أحمد الشّرع يُعيد رسم خرائط الوجع والنّهضة ففي زمنّ تتكاثر فيه الزّيارات الرّسميّة وتذبل الرّموز جاءت زيارة الرّئيس أحمد الشّرع إلى مدينة حلب كحدثٍ لا يُقاس بعدد الاجتماعات بل بعمق الرّسائل التي حملتها لم تكن الزّيارة مجرّد جولة تفقديّة بل كانت إعلاناً ضمنياً بأنّ سوريا الجّديدة تبنى من قلب الجّراح لا من أطراف المكاتب

قبل أيام خاطب الشّرع إدلب في حملة الوفاء كمن يطلب الصّفح من مدينة قاومت وحدها واليوم يقف في حلب المدينة التي دفنت حية ثم نهضت من رمادها ليقول لها لم ننسك بل تأخرنا في الاعتراف بين الوفاء والاعتراف تتشكل ملامح سوريا التي نريد سوريا لا تنكر وجعها بل تحوّله إلى طاقة بناء

و أن تأتي الزيارة في أيلول شهر التّحوّلات السّياسيّة في الذاكرة السورية فذلك ليس صدفة وأن تبدأ من حلب المدينة التي كانت مرآة الانهيار والصمود فذلك إعلان بأن العدالة لا تكتمل إلا بسرعة الإنصاف الشّرع لم يختر العاصمة بل اختار المدينة التي نزفت ليعيد ترتيب الأولويات من المركز إلى الأطراف من الشعارات إلى الناس

أن تكون هذه الزيارة مباشرة بعد عودة الشّرع من الولايات المتّحدة فذلك يفتح باب التأويل السّياسي والرمزي على مصراعيه
فهو لم يذهب إلى العاصمة ليعلن نتائج اللقاءات بل اختار أن يهبط في حلب وكأنه يقول إن الشّرعيّة لا تُستورد بل تُستعاد من الداخل
الرسالة واضحة سوريا لا تُدار من الخارج بل تُبنى من المدن التي دفعت الثمن
الزيارة جاءت كإشارة أن أي تفاهم دولي لا قيمة له إن لم يُترجم إلى إنصاف محلي
وأن إعادة الإعمار لا تبدأ من المؤتمرات بل من مواجهة الخراب وجها لوجه

ففي حلب لم يكن الشّرع يوزّع وعوداً بل كان يلتقط نبض المدينة من بين أنينها
مع المحافظ عزام الغريب ناقش ملفات البنية التحتية والخدمات العامة وملف المهجرين مؤكّداً أن إعادة الإعمار تبدأ من الاعتراف بالخراب
مع قادة الفرق العسكرية ناقش الواقع الأمني الهش مطالباً بضبط السلاح دون سحق الحقوق في رسالة أن السيادة تستعاد من الداخل
مع مديريّات الأوقاف والصّحة والشّؤون الاجتماعيّة طرح مفهوم العودة الكريمة للمهجّرين لا العودة القسريّة رابطاً بين الكرامة والسّياسة
مع جامعة حلب ومديريّة التّربيّة ناقش احتجاجات المعلمين ونقص الكوادر مؤكّدا أنّ الشّرعيّة تبدأ من المعرفة لا من السّلطة
مع غرفة الصّناعة والتّجار واجه انهيار القطاع الصّناعي مستمعاً إلى استقالات احتجاجيّة ومقترحاً خطّة دعم للصناعات المحلّيّة
مع مؤسّسة الكهرباء والمياه ناقش تقنيناً كهربائيّاً يصل إلى عشرين ساعة يوميّاً مطالبا بخطّة طوارئ عاجلة وربطاً بالطاقة المتجدّدة

فزيارة الشّرع لم تكن عبوراً سياسيّاً بل لحظة مواجهة بين السلطة والذاكرة أعادت تثبيت حلب كمدينة مركزية في مشروع إعادة بناء سوريا لا كهوامش منسية
أعادت الاعتبار للمؤسّسات المحلّيّة وفتحت ملفات كانت تدار بالإنكار
أطلقت نقاشا عاما حول معنى الاعتراف وضرورة تحويل الوجع إلى مشروع نهضة
أعادت بعض الثقة في الخطاب الرسمي حين اقترب من الواقع وتخلى عن الزينة

سوريا استعادت مكانتها وحدة الشعب هي الأساس رفع العقوبات ليس هدفا بل وسيلة
عبارات تبدو دبلوماسية لكنها تحمل في طياتها تحولا في الخطاب الرسمي
من التبرير إلى الاعتراف ومن الإنكار إلى المواجهة
إنها محاولة لإعادة تعريف الشرعية لا عبر الخارج بل عبر الداخل المجروح

في إدلب كان الوفاء شعاراً في حلب كان الاعتراف ضرورة وبين المدينتين تتشكّل خريطة سوريا التي نريد
سوريا لا تنكر وجعها بل تحوّله إلى مشروع نهضة
إننا لا نطلب من الرّئيس أن يكون معجزة بل أن يكون مرآة صادقة لوجعنا
وحين يختار أن يبدأ من حلب بعد عودته من واشنطن فهو يعلن أن الرّماد ليس نهاية بل بداية لمن يملك الشّجاعة أن يرى الحقيقة دون زينة .

عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى