الخميس السّياسي حين يصبح اختيار اليوم أخطر من مضمون المقال

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة
كيف أنقذني الأربعاء من مصير الخميس السّياسي المحتوم
مقالاً ساخر ومضحك للترفيه
في عالم الصّحافة الإصلاحيّة لا تقاس الجرأة فقط بما يكتب بل أحياناً بموعد النشر ذاته فالزمن كما علمنا الفلاسفة ليس مجرد سياق زمني بل حامل للمعنى ومحدد للمصير وقد اكتشفت ذلك شخصيا حين اقترحت على هيئة التحرير تخصيص زاوية أسبوعية سياسية بعنوان الخميس السّياسي بدا لي الاسم متماسك إيقاعه جذاب ويوم الخميس مثالي للقراء الذين يستعدون لعطلة نهاية الأسبوع بشيء من التحليل العميق
لكن ما إن نطقت بالخميس حتى تحولت غرفة التحرير إلى محكمة أمنية مصغرة وانهالت علي التحذيرات كما تنهال الملاحظات على مقال يهاجم السلطة دون تنسيق مسبق
المفارقة الزمنية بين حرية التعبير وجدول الاعتقال
أحد الزملاء بنبرة لا تخلو من الذعر قال لي
الخميس هل نسيت أن الجمعة والسبت عطلة إن اعتقلوك يوم الخميس فلن ترى النور حتى الأحد
وهنا لم يعد الأمر متعلقا بحرية التعبير بل بحرية اختيار اليوم المناسب للتعبير فالمقال الذي ينشر يوم الأربعاء قد يناقش يرد عليه وربما ينسى أما المقال الذي ينشر يوم الخميس فقد يقرأ في زنزانة ويحلل في محاضر التحقيق ويرد عليه في جلسة محكمة
التحول الاستراتيجي من التهور إلى حكمة زمنية
وبعد مفاوضات شبيهة بمفاوضات اتفاقيات السلام وافقت على تغيير اليوم إلى الأربعاء السياسي يوم آمن فيه متسع من الوقت للرد للاعتذار أو على الأقل للاتصال بمحام قبل أن تغلق أبواب العدالة في وجهك حتى الأحد
وهكذا تحولت الزاوية من مشروع ناري إلى كوميديا تحريرية ومن مغامرة صحفية إلى درس في فلسفة التوقيت
و في النهاية تعلمت أن في الصّحافة لا يكفي أن تكون شجاعاً بل يجب أن تكون زمنياً ذكياً فالثورة لا تنشر يوم الخميس إلا إذا كنت تملك مفتاح الزنزانة أو واسطة في النيابة العامة
من الآن فصاعداً سأختار أيام مقالاتي كما يختار السّياسيون كلماتهم بحذر و بتردد وبعد استشارة قانونية وسأترك الخميس للغسيل والجمعة للراحة والسبت للندم والأحد لتقييم الأضرار
أما الأربعاء فهو يوم نجاة يوم حكمة يوم المقالات التي تقرأ ولا تعتقل
فليحيا الأربعاء السّياسي وليرقد الخميس في سلام بعيداً عن أقلامنا ومغامراتنا التّحريريّة
عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً