تحرّرت الأرض فهل تحرّر الإنسان ؟

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة
أزمة السكن في سوريا بعد سقوط الاستبداد
في لحظة تاريخية فارقة خرجت سوريا من نفق الاستبداد وبدأت مرحلة جديدة من إعادة تعريف الذات الوطنية
لكن وسط هذا التحوُّل برز سؤال وجودي لم يعد بالامكان تجاهله
هل تحرر الإنسان فعلا ؟
فبينما تحررت الأرض بقي المواطن السوري رهينا لسلطة السوق و أسيرا لعقود الإيجار التي باتت تدار بمنطق الربح لا بمنطق الحق
فالبيت الذي يفترض أن يكون ملاذا تحول إلى عبء طبقي يقصي الفقراء ويكرس امتيازات من يملك العقار
و رغم اختلاف الجغرافيا تتوحد المدن السورية في مشهد عقاري فوضوي يفتقر إلى التنظيم والعدالة
ففي دمشق
إيجار شقة متواضعة يتجاوز عشرة ملايين ليرة شهريا والدفع غالبا بالدولار أو سلف سنة كاملة
و في حلب
الإيجارات تصل إلى ثلاثمئة دولار شهريا في الأحياء الغربية رغم الدمار والعقود غالبا شفهية
أما في حمص
الأحياء المدمرة تعرض للإيجار بأسعار خيالية بعد ترميم جزئي والمغتربون يرفعون الأسعار ويقصون السكان الأصليين
و في اللاذقية
بعد الزلزال ارتفعت الإيجارات خمسة أضعاف والشقق المفروشة تصل إلى مليوني ليرة شهريا
و في طرطوس
لا توجد شقة بأقل من ثمانمئة ألف ليرة وبعض الإيجارات بلغت أربعة ملايين وسط غياب الرقابة
فالتحرر السياسي لا يكتمل دون تحرر اقتصادي واجتماعي
حين يترك السكن للعبة السوق يتحوّل إلى أداة لإعادة إنتاج الهيمنة الطبقية ويقصي المواطن من حقه في الإقامة الكريمة
غياب الدولة الاجتماعية وانعدام الرقابة وتواطؤ بعض الجهات الإعلاميّة كلها عوامل تكرس هذا الظلم الجديد
فما الذي يجب على الدولة فعله ؟
إذا كانت الدولة الجديدة جادة في بناء سوريا عادلة فإن أول اختبار حقيقي هو حماية المواطن من الاستغلال العقاري
و المطلوب ليس مجرد تنظيم بل رؤية أخلاقية تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان
و الإجراءات العاجلة
تحديد سن قانون وطني للسكن
و تحديد سقف للإيجارات ومنع الإخلاء التعسفي وتوثيق العقود بنموذج موحد
إنشاء هيئة رقابية مستقلة
مراقبة السوق واستقبال شكاوى المستأجرين ونشر تقارير دورية وفرض غرامات على المخالفين
دعم مشاريع الإسكان التعاوني
تمويل جمعيات أهلية وتخصيص أراض عامة للفئات المهمشة وتشجيع نماذج الإيجار التملكي
إعادة تأهيل المناطق المدمرة
ترميم الأحياء المتضررة ومنع البيع العشوائي وإشراك السكان الأصليين في قرارات الإعمار
إطلاق منصّة وطنية للعقارات
عرض العقارات بشفافية وربط المستأجرين بالمؤجرين دون وسطاء ومنح الأولوية لأصحاب الدخل المحدود
من تحرير الأرض إلى تحرير الإنسان
البيت ليس سلعة بل حق وجودي
وإذا لم تحمى هذه الحقوق فإننا نعيد إنتاج الظلم ولكن بوجوه جديدة
الإعلام كما نؤمن في عكس الاتّجاه نيوز يجب ان يكون شريكا في مساءلة السلطة لا مجرد ناقل للمعاناة
نحن لا نكتب عن أزمة السكن فقط بل نكتب من داخلها وباسم من لا صوت لهم
إنها دعوة مفتوحة لإعادة تعريف معنى التحرير أن يتحرر الانسان لا أن يستبدل مستبد بآخر أو يستبدل القمع السياسي باستغلال اقتصادي
عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً