المنهك الذي لا يتكلم هل تسمع صوته ؟

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة
في زمن يتكاثر فيه الضجيج وتقاس القيمة بعلو الصوت يغيب المنهك عن المشهد لا لأنه غير موجود بل لأنه لا يملك طاقة الصراخ المنهك ليس الغائب بل المغيب ذاك الذي استهلكته المعارك اليومية فاختار الصمت لا استسلاما بل لأن اللغة خانته والمجتمع لم يمنحه حق التعبير
لكن في قلب هذا الصّمت ولد صوت آخر صوت لا يسمع بل يحس صوت لا يطلب الإنصاف بل يصنعه هذا النص ليس عن الإنهاك وحده بل عن الإنسان الذي خرج من خذلان الأقربين أكثر قوة لا لأنه لم يتألم بل لأنه جعل من الألم مادة لبناء ذاته من جديد
هو الذي أعطى فخذله من أعطاهم وقف إلى جانبهم حين كانوا في العتمة فلما أشرقت شمسهم تركوه في الظل لم يكن خذلانا عابرا بل انهيارا وجوديا كأن الارض قد سحبت من تحت قدميه لكنه لم يسقط بل أعاد بناء الأرض تحت قدميه حجرا حجرا من صبر ووعي ورفض لأن يكون ضحية
هذه الشخصية لا تملك ملامح البطولة التقليدية لكنها تحمل في داخلها أسطورة من نوع آخر لا ترفع شعارات لكنها تعيشها لا تطلب الاعتراف لكنها تفرض حضورها قوتها لا تأتي من صلابة خارجية بل من هشاشة تم احتضانها من جراح لم تنكر ومن خيبات تحولت الى دروس في البصيرة
من الناحية النفسية لم تبن دفاعاتها على الانكار بل على الفهم تفكك الألم تحلله وتعيد تركيبه كأداة للشفاء لم تعد تتعامل مع الخذلان كخيانة فقط بل كمرآة تكشف من يستحق البقاء في دائرة الثقة ومن كان مجرد ظل عابر هي شخصية تعلمت أن القوة لا تعني الصلابة بل القدرة على الترميم الذاتي أن تكون إنسانا يعني ان تتألم لكن أن تبقى إنسانا رغم الألم فذلك فعل بطولي
لكن ما يميز هذه الشخصية اكثر من أي شيء هو قرارها الحاسم لا غفران لا لأحد لا لأنها قاسية بل لأنها مرت بما يكفي لتدرك ان الغفران ليس دائما فضيلة بل قد يكون خيانة للذات لقد سامحت كثيرا وخسرت اكثر حتى أدركت أن الغفران الذي لا يبنى على الاعتراف والندم هو مجرد استمرار للخذلان
الغفران بالنسبة لها لم يعد فعلا نبيلا بل صار عبئا يطلب منها كي يرتاح الآخرون لا كي تشفى هي وهنا تحول الغفران الى أداة ضغط إلى ابتزاز عاطفي إلى محاولة لإعادة فتح الجراح باسم الطيبة لكنها لم تعد طيبة بالمعنى الساذج صارت واعية صارمة تعرف ان من لا يحترم ألمك لا يستحق غفرانك
هي لا تحمل الحقد لكنها تحمل ذاكرة حادة لا تنسى من خذلها حين كانت الوحيدة التي لم تخذل أحدا في كل خطوة تخطوها تحمل معها هذا المبدأ الغفران ليس للجميع بل لمن يستحقه ويعي ثمنه وهكذا تحولت من ضحية الى سلطة أخلاقية لا تهتز ولا تتراجع ولا تسمح لأحد أن يعيدها الى نقطة الانكسار
هذا المقال لا يروي قصة فقط بل يكشف عن أسطورة إنسانيّة كيف يصنع الألم بصيرة وكيف يتحوّل الخذلان إلى مدرسة للوعي وكيف يصبح الصمت لغة أقوى من كل الكلمات
عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً