حين يتوحّد السّوريّون على إيقاع الأمل والبناء

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة
السّوريّين كل يوم يسجّلون للتاريخ عنواناً جديداً و التّاريخ السّوري
انطلقت من مدينة حمص مبادرة شعبيّة حملت اسم أربعاء حمص لتتحوّل من فعلٍ محلي إلى ظاهرة وطنية جامعة ومن نشاط تطوعي إلى خطاب رمزي يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والوطن وبين الألم والأمل وبين الماضي والمستقبل
حمص من ذاكرة الجراح إلى ذاكرة النهضة
لم يكن اختيار حمص عشوائيا بل جاء محمّلًا بدلالات تاريخية وثقافية عميقة فهذه المدينة التي كانت عبر العصور ملتقى الحضارات
تحوّلت خلال سنوات الأزمة إلى مرآة للجراح السورية واليوم تعود حمص لتكون مرآة للشفاءونقطة انطلاق لوعيٍ جديد يرى في إعادة البناء فعلا رمزيا يوازي التحرير وفي كل حجرٍ مرفوع وعدًا جديدًا بالحياة
لماذا الأربعاء؟
ولماذا الآن؟
اختيار يوم الأربعاء كمحطة أسبوعية ثابتة يحمل بعدا نفسيا واجتماعيا دقيقا فهو يقع في منتصف الأسبوع كأنما أراد المنظمون أن يقولوا في قلب التعب نزرع بذرة الحياة
أما توقيت الحملة فجاء في لحظة نضج شعبي حيث بات السوريون أكثر استعدادًا لتجاوز الانقسامات وأكثر وعيًا بأن التغيير لا يُمنح بل يُصنع
التماسك الشعبي وحدة تتجاوز الجغرافيا والانتماء
ما يميز أربعاء حمص هو قدرتها على تحريك الوجدان السوري من أقصاه إلى أقصاه. فقد شارك فيها شباب من مختلف المحافظات دون تمييز بين طائفة أو منطقة
رجال أعمال قدّموا دعمًا ماديًا ومعنويًا إعلاميون وفنانون سخّروا منصاتهم لنشر رسائل الحملة مغتربون أطلقوا حملات دعم موازية في دول الاغتراب
هذا التفاعل الواسع جسّد صورةً نادرة من الوحدة الوطنية حيث لم تعد حمص مدينةً تخص أهلها فقط بل باتت رمزا لسوريا كلها ولسان حال كل من يؤمن بأن إعادة البناء تبدأ من الإنسان قبل الحجر
الرسالة الدولية من العاطفة إلى المصالح
في ظل مشهدٍ إعلامي دولي اعتاد تصوير سوريا كبلدٍ ممزق جاءت أربعاء حمص لتكسر هذه الصورة النمطية وتقدم للعالم رسالةً مختلفة أن الشعب السوري قادر على تجاوز الانقسامات متى ما توفرت له مساحةٌ للتعبير والعمل أن السوريين لا ينتظرون المساعدات بقدر ما يسعون لصناعة الحل بأيديهم أن وحدة السوريين تخلق بيئة أكثر استقرارًا للاستثمار وتفتح الباب أمام شراكات دولية في إعادة الإعمار
وقد رصدت عدة منظمات دولية هذا الحراك واعتبرته مؤشرا إيجابيا على نضج المجتمع المدني السوري واستعداده للمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل البلاد
تحليل متعدد الأبعاد دلالات سياسية واجتماعية ونفسية واقتصادية
سياسيًاتعزز الحملة مفهوم الشرعية الشعبية حيث بات المواطن هو المحرك الأساسي للتغييرأعادت الاعتبار للمدن المنكوبة كمراكز قرار لا كمناطق هامشية
اجتماعيًا كسرت الحواجز النفسية بين السوريين وأعادت بناء جسور الثقة أطلقت موجة من المبادرات المشابهة في مدن أخرى مما يدل على انتشار العدوى الإيجابية
نفسيًا منحت المشاركين شعورًا بالجدوى والانتماءوقللت من مشاعر العزلة واليأس أعادت تعريف العمل التطوعي كفعلٍ وطني لا مجرد نشاط جانبي
اقتصاديا
حفّزت الحركة التجارية في حمص وفتحت فرصا جديدة للعمل
شجعت على الاستثمار المحلي خاصة في قطاعات البناء والخدمات
الابتكار في العمل التطوعي من الفكرة إلى المنهج
لم تكن الحملة مجرد تجمّع عفوي بل اتخذت طابعًا منهجيًا مبتكراً حيث تم تنظيم
ورشات ترميم يقودها شباب متخصصون حملات إعلامية رقمية تنقل الحدث لحظة بلحظة
فعاليات فنية تعبّر عن الألم والأمل بلغة الصورة والصوت
هذا التنوع في أدوات التعبير منح الحملة بعدا ثقافيا إضافيا وجعلها قابلة للتكرار والتطوير في مدن أخرى
السّوريّين دوماً من بين الركام نبتت زهرة وطن
أربعاء حمص ليست حدثاً عابراً بل بداية لوعيٍ جديد يرى في كل حجرٍ مهدّم فرصةً للبناء وفي كل يدٍ ممدودةٍ دعوةً للوحدة إنها دعوةٌ مفتوحة لكل السّوريّين ليكونوا شركاء في صناعة الغد لا مجرد شهودٍ على ماضيهم
فمن حمص المدينة التي دفعت ثمنًا باهظًا انطلقت شرارة الأمل ومن بين الركام نبتت زهرة
فهل نرى أربعاء قادم بكل المحافظات ؟
ننتظر ونحكم
عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً