المقالات

الرئاسة لن تتراجع والزعامات السنية مكشوفة(عماد الشدياق)

لاقى خطاب “مئوية لبنان الكبير” الذي تلاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الأوّل من أيلول الفائت، رفضًا داخليًّا كبيرًا، لم يكن مبررًا ولم تُفهَم خلفياته، خصوصًا في صفوف الطائفة السنية التي حملت أوزار الخطاب على أكتافها بلا طائل، فنصّب بعضها نفسه محامي دفاع عن السلطنة الغابرة. وبما أنّ الرفض سكن تفاعله السياسي والشعبي على مواقع التواصل الاجتماعي الى حدٍ كبيرٍ، فكان لابدّ من مقاربة هذه الظاهرة بهدوء. قد يكون الرئيس عون جافى أصول فنّ الخطابة الدبلوماسية في كلمته، لكنه لم يجافِ الحقيقة الى حدٍ كبيرٍ. قال الأمور كما هي وهذا ما تسبَّب بالرفض السني الذي تلقفته الخارجية التركية في بيان الإدانة، فاتهم الرئيس عون بابتذال “الأحكام المسبقة” وبـ”تحريف التاريخ من خلال الهذيان وحب الخضوع للاستعمار والافتقار الى الوعي”، مؤكدةً، على “التسامح الذي ساد في تلك الحقبة”، رابطة استغرابها لمضمون الخطاب، بزيارة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو قبل نحو أسبوع، فرأته “لا ينسجم مع العلاقات الودّية القائمة بين البلدين، وتصريح مؤسف وغير مسؤول”.بعض الجهات المتابعة، حاولت ربط الخطاب الرئاسي بجملة من أزمات الداخل والمنطقة، بدءًا بفرضية مساندة النظام السوري في حربه بإدلب، الى ملف النفط العالق بيننا وبين العدو الإسرائيلي من جهة وبين تركيا وقبرص من جهة أخرى، مرورًا بظاهرة “حج” اللبنانيين الى تركيا على مدار السنة والتسرّب الحاصل بعملة الدولار نتيجة التبضّع وشراء الأدوية والنقاهة والسياحة، وصولًا الى طلب أنقرة تفعيل “اتفاقية التجارة الحرّة” الموقعة بين البلدين والمرمية في أدراج وزارة الخارجية. إلا أنّ أوساط قصر بعبدا، أكّدت لموقع “”، أنّ “الموضوع انتهى ولم يكن سوى توصيفًا للوقائع التاريخية فقط”، كاشفةً، أن “لا رغبة رئاسية بالردّ بل أنّ الجدل لا يستأهل الرد أصلًا”. وفيما تنفي وجود أي خلفية للخطاب أو نية استهداف علاقة العهد بالدولة التركية الحالية، تؤكّد، أنّ انكار الممارسات العثمانية في حينه أمر مستحيل، لأنها تمثُلُ في شواهد ومعالم كثيرة مازالت موجودة حتى يومنا هذا، وتسأل في هذا الصدد الغيارى على سمعة السلطنة عن “حقيقة ساحة الشهداء وسط بيروت”، كما تطلب منهم التوجه الى قرى جبل لبنان وسؤال معمريها عن معاناة الأهالي خلال المجاعات و”سفر برلك” (تعني باللغة العثمانية اطلاق النفير العام والتأهب للحرب وقد جسَّدها الاخوين الرحباني وفيروز في فيلم سينمائي وكذلك فعل المخرج السوري نجدة أنزور في المسلسل الملحمي الشهير “اخوة التراب”).الاوساط نفسها، تكشف أنّ قصر بعبدا لم يتوقّع ردّة فعل داخلية (إسلامية) على الخطاب بهذا الشكل الهستيري، لأنه ببساطة “لم يكن يقصد الخلافة العثمانية في شقها الديني”، وتذكِّر في هذا الصدد بتعظيم الأتراك (بما فيهم حزب العدالة والتنمية الحاكم) لمؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك الذي أرسى علمانية الدولة الحالية ومدنيتها! وتعتبر أن أصوات النشاز الداخلية “معيبة”، ربما لأنها فضّلت الوقوف الى جانب الغريب ضد رئاسة الدولة!الخارجية اللبنانية أصدرت بيان ردٍ على نظيرتها التركية، وأشارت إلى أن البيان التركي “تضمن تعابير ولغة لا تتطابق مع الاصول الديبلوماسية والعلاقات التاريخية بين الدولتين والشعبين اللبناني والتركي”، وتفاقمت الأمور الى حد استدعاء السفيرين، فيما ذهب البعض لحدود توقّع قطع العلاقات أو إعادة فرض التأشيرة بين الدولتين كإجراء عقابي للبنانيين (وهذا غير وارد حتما لأنه يضر بتركيا حصراً وإن حصل فسيُعدّ هدية للمصرف المركزي الذي يعاني من تسرّب الدولار الى الخارج). اللافت في كل الأزمة كان الحنق السني دفاعاً عن السلطنة العثمانية، فبخلاف الهرج الذي ساد مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت أولى الردود من شيخٍ في دار الفتوى، ثم تبعه كلام المفتي السابق محمد رشيد قباني اتهم فيه مستشاري الرئيس عون بالإيقاع به بسبب مغالطات الخطاب. وفيما قارب الرئيس فؤاد السنيورة الأزمة بلا اتهامات مباشرة وأكد أهمية العلاقات مع تركيا، كان رد الوزير السّابق أشرف ريفي الأكثر شراسة، فاتهم بتسرّع، العهد بمعاداة تركيا (من دون أن يسميها) لصالح ايران، متجاهلًا عن قصد في ما يبدو، مساندة أنقرة لطهران بأكثر من ملف وكذلك الاتهامات التي يطلقها غالبًا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد السعودية وبعض دول الخليج!وسط هذا كله، يتفتق سؤال في النُهى: أين كانت الطائفة السنية من تركيا خلال مرحلة حكم العسكر العلمانيين قبل وصول حزب “العدالة والتنمية” الى الحكم، وما سبب هذه “الردة” صوب تركيا؟ تقول المتخصصة بعلم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتورة وديعة الأميوني، أنّ “رد فعل رجال الدين والسياسيين السنة على خطاب الرئيس هو نتيجة السياسة الشعبوية التي يمارسها الحكام كل اليوم، والتي تعمل على تغذية النعرات الطائفية. وكذلك بسبب ثقافتنا السياسية التي تعود غالبًا الى التاريخ بأسلوب غير موضوعي لا يخدم الا الطائفة والحزب والزعيم بعيدًا من الانتماء الوطني”. وترى، أنّ الرئيس عون قد “اخفق في تعبيره السياسي لجهة الأسلوب في ايصال رسالة سياسية ربما، خصوصًا حينما اتهم السلطنة العثمانية بالإرهاب. فهذا المصطلح يثير حساسية كبيرة لدى السنة لربطه عادة بالتنظيمات المتطرفة والارهابية التي مارست أعمالًا وحشية في المنطقة والعالم مثل تنظيمي القاعدة وداعش، فالسلطنة العثمانية لم تمارس الإرهاب بقدر ما مارست الاحتلال وما يتبعه من ممارسات. وفي المقابل اخفقت المرجعيات الدينية والسياسة حين أتت ردود أفعالها مدافعة عن السلطنة لمجرد أنها سنية، علمًا أنّ تركيا اليوم مدنية بامتياز. كما نسيَ الجمهور السني، أنّ لبنان أولًا، وهو شعار رفعه زعيمهم الرئيس سعد الحريري”.هذا السلوك لدى بعض السنة تراه الأميوني، “نابعٌ من أزمة ضعف في المواطنة وعدم ثقة بين المواطن عمومًا ودولته من جهة، وكذلك بين اللبناني نفسه وزعيمه من جهة أخرى. ففي ظل اخفاقات الزعامات السنية (وغير السنية)، أكان الحريري أو غيره من السياسيين، بات لدى بعض مواطني الطائفة ميولًا وتطلعات صوب تركيا لأنها دولة قوية ولها كلمة فصل في السياسات الاقليمية والدولية قادرة ربما على حمايتهم اقليميّاً من خارج إطار الدولة اللبنانية”.وتختم:”السنة وغيرهم يراقبون ممثليهم في السلطة فيشاهدون عجزهم وفشلهم في مواجهة الصعاب السياسية واحتواء الأزمات الاقتصادية مثل الفقر وخلق فرص العمل وتأمين التغطية الصحية والتيار الكهربائي والمواصلات وحل أزمة النفايات، وبالتالي، هذا مسبب رئيسي للجوئهم الى تركيا ومطالبتهم الرئيس عون باعتذار برغم أنه كان ينطق بالحقيقة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى