مقالات

حوار الحضارات حقيقة أم وهم؟!

محمد علي اللوزي

ماهدف (نيتشه) من نفي وجود الله؟!

في قوله: (إننا ننفي الله، وننفي المسؤولية في الله، بذلك فقط نخلص العالم”،) (نيتشه)

استهلال أول: من وقت مبكر أراد الغرب نفي وجود الله لينفي معه الاخلاق والضمير ومن ثم العبث بالوجود وفق اشتراطات البقاء ل(سوبرمان) أو للأقوى..

حوار الحضارات دعوة برزت في هذه الأونة بشكل غير عادي في ظروف غير عادية انبثقت، وإن كانت لها إرهاصات سابقة – من بين أنقاض برجي المركز التجاري بنيويورك، فهي إذن دعوة املتها الضرورة وفرضتها الظروف، وكأن البشرية تعيش على تقاطع مع نفسها، أو أنها لم تكن تعير معنى للفوارق الكبيرة بين الجنوب الفقير والشمال الأكثر غنى وخيلاء وتمركزاً حول الذات المدعية بالاكتمال وبالغيرية عمن سواها، وإنها لمأساة حقاً أن يأخذ اللا منطق موقعه في العصر ويصير الحوار مدخلاً للإملاء السابق وتعزيزاً للهيمنة العسكرية الثقافية والسياسية والاقتصادية.حيث الإنسان يعيش حالة انفصال عن الوجود ولا يفكر فيه إلا من خلال التداعيات التي قدمت نفسها بشيء من الاسراف في التعامل مع الواقع بكل امكانياته ومكوناته، ليغدو القبول بالأخر ليس من موقع مسؤولية الإنسان إزاء وجوده وإنما من خلال شعور الذات بالخطر الذي يأتيها على حين غرة ودونما سابق إنذار.هي إذن البشرية أو المجتمع الدولي الذي يتغافل عن ممكنات التطور ويضع فوارق بين الجنوب والشمال، وسياجاً منيعاً بالبروتوكولات الدولية والمعاهدات والمواثيق التي تتحدث بغلو حول حقوق الإنسان المهدورة ولا يعترف بها إلا في إطار السياسة البرجماتية النزقة.. وفق هذا المستوى حوار الحضارات اليوم، يؤكد انغلاق الأمس وهو ايضاً من رحم المعاناة والقهر، المصدر خصيصاً للشعوب المغلوبة على أمرها يقدم نفسه لتستمر مهزلة الدونية بين الشعوب الفقيرة والغنية، ويستمر ضياع الإنسان في محيط اللامعقول القادم من أنقاض الأبرياء ومصارع الدول المغلوبة على أمرها.هكذا حوار الحضارات في ذات المنحى الجنوني يسير. ذلك لأنه لم يكن ثمرة تعاون وإخاء بين البشر، قدر ما هو دعوة لترويض المقهورين على القهر واستمرار هيمنة النظام العالمي الجديد وآلياته التي تفعل في الإنسان التدجين وإبقاءه أسير التخلف ليظل التقدم على حساب الآخر الذي لم يكن في حسبان دول الشمال الغني إلا من باب النفوذ والكبرياء.وحيث يكمن فارق القوة الاقتصادية والعسكرية يبقى الحوار ملهاة لمن يريد تصديقه والاعتقاد بأن ثمة ممكنات له..ولعل المرء يسأل ماذا يعني الحوار مع دول تمتلك ملايين الأطنان من المتفجرات وآلات الدمار والسلاح النووي؟ وأي حوار يلوح بالجبروت كله لدول صغيرة تكدح وتشقى من أجل قوت يومها؟! ماذا يعني حوار متوسط دخل فرد من دول الشمال الغني في العام 30.000 دولار وهو ما يعادل دخل سكان حارة كاملة لبلد أفريقي فقير؟! ولكنه التوغل في قهر الوجود وإماتته حقاً في لحظة نزق نووي.. هكذا يصنع أولئك الدمار الشامل، والحوار الشامل منطق يبعث على الضحك حد الإغماء، ففي حين إنسان الدول الفقيرة محاصر باليأس وسد الرمق والتهديد بالموت يبرز من ينادي بالحوار في دول الأغنياء والمتفوقين رعباً، من يملكون القدرة على اتخاذ القرار بشأننا جميعاً بل وبالكوكب الأرضي كله.وإزاء استلاب كهذا فإن حوارا يتم لابد أن يكون من موقع المتفضل المانح شروطه الذي يريد وقتما يريد. ولكنها مسألة استغراق في عدمية مفرطة وعدم انصياع لتاريخ الوجود الحضاري ومستقبل الإنسان، من أجل ذلك يبقى التفكير في الحاضر هو المسيطر وهو الذي يقدم نفسه وفق القائم فيه.. من هذا المنظور حوار الحضارات هو انشغال آنوي وافتعال لحظات لتأكيد انقطاع التفاهم بين الحضارات في مسار التاريخ أو في الماضي وإن كان ثمة دعوات لمفكرين في هذا الاتجاه برزت من حين لآخر، غير أنها تبقى محدودة في إطار مثقفين وليست مسار حكومات ودول وإن نادت بحوار مع الآخر متكافئ واحترام حاضره.الآن فقط يمكن القول أنها غدت كذلك ولكنه الاعتراف بأن ثمة هيمنة وجدت وستبقى ذلك لأن التفكير في الحاضر فقط يعني تجاهل الماضي والمستقبل، ولأن الحاضر مفلات لا يمكنه أن يستمر أو أن يسيطر عليه، لذلك يبدو الحوار مداراة للأحداث الأليمة وتربص مخيف بمستقبل الشعوب.إن تناقضات لا حصر لها بين كل دولة وأخرى وفي إطار كل دولة وبين الجنوب والجنوب وبين الشمال والجنوب وفي إطار علاقة الفرد بالفرد وبالمجتمع مبعثها تضارب الأفكار والمصالح واساسها الانصراف عن فهم الوجود كموجود الانفصال عنه حين يغيب التفكير فيه، ويغدو المصير أكثر من جذور تستأصل وحضارات تدمر.ثمة مفارقة بين دمار وفقر وبناء شامخ وغنى. إن حوارا كهذا دون النظر إلى فجوة الفقر وهي تتسع وتمتد لا يعدو عن كونه انحيازا لفرض شروط القوي على الضعيف.مازال العالم محكوما بمنطق مهزوم/ منتصر ، غني/ فقير، ضعيف/ قوي، في هذا السياق ينبثق حوار لا واع أو أنه يتغافل ما يمليه واجب الإنسان إزاء أخيه.فأي حوار يتم تحت تهديد الرعب النووي وصواريخ عابرة للقارات ومدمرات بحرية وجوية وعسكرة الأرض والفضاء؟!أي حوار يريد للمغلوبين أن يناموا على الوهم ويصحون على الفاجعة ويرون الندم فيهم والتعاسة حظهم ولا يجرؤون على الكلام، أو ليس الدعوة إلى حوار الحضارات وإن كنا نتمناها ونرجوها.. أليس ذلك من مخرجات زلزال 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن؟!إنها ليست الشجاعة من أجل الوجود، ولكنها من أجل التواجد استعلاء واستكبارا ومن خلال حضارات الكثير منها في الهامش أو في الخفاء والقليل جداً منها في المتن في مستوى الحاضر الذي تريده لها وحدها وهي تضع يدها على أسلحة رعب نووي يمكن أن يحيل الحياة بكل يسر وسهولة وبساطة إلى عدم..فهل انبثق الحوار من هذا التطور الحضاري المرعب؟ هل جنون الحضارات هو الذي يقدم نفسه اليوم على الجميع لنصير كلنا أدعياء حوار وديمقراطيين جداً لا نملك القدرة على تعزيز القول بالفعل؟وهل المركزية الأوروبية التي أدعت اكتفاء ذاتها ووصلت إلى حد التشبع والانغلاق هي التي ستفتح هذا الحوار؟وبأي معنى يمكننا أن نفهمه وهو نتاج ظروف وليس وعياً إنسانياً مدركاً لأهمية القبول بالآخر والإيمان بالإنسان؟إن الدول التي جعلت من العلم يهدد الكون، هي التي تقع على عاتقها مسؤولية فهم الشطط والتمركز على الذات المفرطة في الأنانية التي تحتوي على الدمار وتقدر على تصديره للآخرين باسم الحوار أيضاً الذي ترغب فيه ويتسق مع تكوينها الحضاري القام على نهب ثروات الشعوب واستعبادها وعلى فائض القيمة من ثروات الأخرين حيث كان الحوار يأخذ الاستحواذ والقهر والسيطرة وتسخير الشعوب في اتجاه يعزز من نفوذ المجتمع الرأسمالي الذي برزت مع وجوده الاحتكارات بأنواعها، حتى ما يتعلق بالدواء والغذاء والسكن ناهيك عن احتكار التقنية المرعبة والعلم الذي يريد أن يقذف بالبشرية الى هاوية الدمار.. وبالتأكيد أن أي حوار تمليه الظروف والأحداث وليس نتاج وعي جمعي وغنى روحي وثقافي لا يمكن أن يرتكز على الحضاري مطلقاً قدر اعتماده الانحباس على ذاته وتجاهل تاريخ الحضارات وتنوعها الثقافي والعرقي والجغرافي.فهل يكون حوار الحضارات الطاغي على السطح هو مجرد لعبة يراد لها أن تتم ليتخذ قرار بشأن البلدان المتخلفة ومستقبل الأمم الضعيفة؟هل هو النظام العالمي الجديد بكل ترسانته العسكرية والاقتصادية وقد هيأ نفسه لأن يتموضع بقوة ونفوذ على ما بقي من فراغ في بعض دول العالم الفقير؟!.وهل أحد أهم افرازات العولمة سوق حرة لمصالح خاصة على حساب الآخرين؟.. وفي هذا الاتجاه يكون الحوار الحضاري إضافة شروط جديدة وتشريعات إضافية لهيمنة جديدة إنها مجرد تساؤلات.حوار الحضارات اليوم ينتج عبثية مفرطة وهي اخلاقية في المقام الاول حيث يريد الغرب إملاء شروط تموضعه على الشرق باسم الحقوق والحريات والحوار الحضاري. ليتم من خلال ذلك نشر الفواحش ماظهر منها ومابطن. إنه إالوصول بالكوكب الارضي الى تدمير كيان المجتمع ونواته الأسرة وتعطيل القيم وجعل الحالة البشرية أدنى من البوهيمية.لاعجب إذا أن يصلنا الأدعاء بالحوار الحضاري الى مستوى تهديد عالمنا لحرب لاتبقي ولاتذر، لعل الحرب الاوكرانية الروسية وهي حرب البحث عن الهيمنة والنفوذ وكسر الجدار الحامي لقيم الفضيلة لنشر الرذيلة. لتعتلي قوى الشيطان في سابقة لم نجد لها مثيلا عبر التار يخ. ولعل اعلان (بايدن) بأن امريكا أمة مثلية كل ذلك هو اعلان حرب على كل مجتمع يرفض هذا الانحطاط الاخلاقي بضغوطات اقتصادية وسياسية وتكتل اوروامريكي، يكشف أن حوار الحضارات كان خدعة كبرى تستهدف الانسان في قيمه وتفتيت نواة المجتمع الاسرة والانتقال من التصالح بين اليهودية والمسيحية وإذابتهما في مؤلف واحد يسمونه ( العهد القديم والعهد الجديد) يجمع التوراة والانجيل ومن ثم الى الانتقال الى الديانة (الابراهيمية) بعد ان نجحت فكرة التصالح بين اليهودية والمسيحية لتنتقل الى مايسمونه ديانة (ابراهيمة) يذوب فيها الاسلام ضمن دين واحد ليسهل التغلغل اللاخلاقي. نحن إذا أمام حوار حضاري هو في الأساس صراع حضاري مرير ومؤلم وقاس وهيمنة غربية مادية (تشيء) الإنساني تجعله مستهلكا مقابل الشرق الروحاني الذي يقف سدا في وجه انحلال القيم لدى الاورو امريكي. الامر إذا لايقف عند السطحي ثمة ماورائية تستهدف المجتمع في قيمه وسلوكياته وجعله مستلبا في وجوده خاضع لآلة اعلامية جبارة وغزو مخيف يتحدد اليوم بين صراع شرقي غربي يجعلنا نتسائل: أين نقف في خضم هذا الصراع الذي قد يصل الى حرب كونية؟ التساؤل يفرض إمعان النظر في حقيقة ما يلقي به الاورو امريكي على العالم ثالثي من مبادرات تمسكينونته. ولعلنا هنا نعرف المعنى الماورائي لما كان يهدف إليه (صمويل هتنغنون) في كتابه (صدام الحضارات )، الذي يدعو فيه الى إعادة تشكيل عالم جديد ولكن ليس قبل مواجهة الأسلام والحضارتين الصينية والهندية. وهو مانراه اليوم ونجده متحققا في الحرب (الروسية الاوكرانية) وما اقدمت عليه كبداية خجولة( الامارات العربية) بتبنيها الديانة (الابراهيمية) وبنائها معبد خاص بهذه الديانة.. ليس سوى ( إمامه) الشيطان بامتياز. فهل تنحاز الامة الى فعل الاحتراز والمواجهة مع قادم مرعب يريد افقارها قيميا؟ ام ستنضوي على نفسها وتعيش التخبط العقيم.؟ سؤلان الإجابة عليهما يحتاج الى فائض وقت ودراسة معمقة لمجمل المتكون على الواقع، لنصل الى رؤية عميقة لما يجب أن تكون عليه هذه الأمة بأدوات الإنتاج اولا، والانتقال من أمة مستهلكة الى منتجة وللحديث بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى