ثورة آذار المجيدة.. ربيع البعث المتجدد
مفيد سرحال
لم يكن حدثا” عاديًّا” لا بل كان تمفصلًا استثنائيًّا انتقال حزب البعث العربي الاشتراكي في الثامن من آذار عام 1963 من ساحات النضال الجماهيري إلى مواقع السلطة سيما وأن هذه القفزة الهادفة حتمتها ضرورات وتفاعلات وطنية وقومية عاشتها سوريا عقب الاستقلال ،وتفجُّر قضية الصراع العربي _الصهيوني جراء التآمر الامبريالي الماسوني على فلسطين العربية، تلا ذلك دخول سوريا معمعة الانقلابات العسكرية المرتبطة بخطط خارجية هدفها إبقاء سوريا في أحضان الهيمنة الغربية ومنعها من تحقيق أي نهوض أو تقدم .
والحال، فإن الأفكار والمبادئ القومية للبعث تبلورت في الثامن من آذار ردًّا”عمليًّا على مجمل التحديات التي تمثلت بتجزئة الوطن العربي من قبل الدول الاستعمارية وإقامة الدولة العبرية المؤقتة في فلسطين العربية.. مرورا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956وصولا إلى إجهاض أول تجربة وحدوية تم تحقيقها في تاريخ العرب الحديث فكان الثامن من آذار الرد الثوري الحاسم على جريمة الانفصال لتتبلور محورية دور سوريا القومي بقيادة القائد الخالد حافظ الأسد باني سوريا الحديثة في مختلف مجالات الحياة وصانع مجد انتصاراتها بوهج تشرينَي التصحيح والتحرير.
ولأنها سوريا أصل نقطة البيكار في المنطقة وقاعدة ارتكاز رئيسية في صراع العرب ضد المشروع الصهيوني التلمودي التوسعي وشعاع الأمل الوحيد لتحسين الوضع العربي ودفعه باتجاه تحقيق الأهداف المنشودة للأمة.
ولأنها سوريا التي جسدت واقعيا المضمون العقائدي لفكرة البعث في جهد ملموس،حيث ناضلت من أجل بلوغ تضامن عربي فعال،وعملت على مواجهة كل ما من شأنه إضعاف الموقف القومي،ولعل أبرز البراهين لسورية الثورة ذلك الدور النبيل الذي نهضت به لإنقاذ لبنان من براثن المؤامرات والمطامع الإسرائيلية والحفاظ على وحدة شعبه وترابه الوطني،وذلك الموقف العربي الشجاع من حرب الخليج الأولى((العراقية- الإيرانية))،ومن الغزو العراقي للكويت الشقيق،وهو الموقف المعروف والمميز والذي اعترفت بصحته فيما بعد جميع الأطراف العربية وغيرها..
هذا إلى جانب نضال سوريا الدؤوب لتعزيز وتفعيل التضامن العربي ومحاولة دفعه باتجاه أية صيغة وحدوية ممكنة وعلى أي مستوى من المستويات، وذلك انطلاقا من إيمانها الراسخ بهدف الوحدة العربية.
إزاء كل ذلك عملت دوائر الغرب الجماعي على استهداف البعث كعقيدة تعتبر محركا للنضال على الصعيد القومي ،وهو استهداف للأمة العربية وتاريخها ومستقبلها بما يعني شرذمة الأمة وتشتيت قواها والقضاء على مستقبل أجيالها وبمفهوم الغرب الجماعي لا عروبة بعد اليوم بل مجرد حال من التذرر ودويلات هزيلة مهزوزة لا تقوى إلا على الاستسلام والخنوع. بناء عليه كان السعي المحموم لتغيير سوريا باستهدافها وزعزعة استقرارها بالفتن والمحن وكل صنوف التآمر تحت عناوين خادعة وحصارها بالقوانين الأميركية الظالمة وخرمانها من ثرواتها بالاحتلال المباشر أو عبر الوكلاء لفك عرى اتصالها بمحور المقاومة وتشتيت جهدها وتصديع وحدتها المجتمعية وإشغالها عن الهم القومي ..
إن إيديولوجيا البعث كمفهوم عقدي وأهداف قومية اكتمل بشخص سيادة الرئيس بشار الأسد الذي وبعزيمة البعثي المؤمن بقضيته والمؤتمن على شعبه وأمته بإرادة لا تلين.. رفض الرضوخ لإملاءات وإغراءات وتهديدات وزير خارجية أميركا كولن باول متمسكا بثوابت المدرسة الأسدية الأصيلة بمواقفها التي تأبى التفريط بالحقوق القومية أو النيل من المقاومة سواء في العراق أو لبنان وفلسطين فكانت معاقبة سوريا حصارا فرضته أميركا لتشليعها وتجويع شعبها ونهب خيراتها من الكاوبوي الأميركي وأعوانه واستجرار آلاف التكفيريين لضرب جيشها القومي.. الجيش العربي السوري المنذور لوحدة بلادنا والتصدي للغزوة الصهيونية.
إنها سوريا العربية التي سلكت طريق العزة القومية الطويل والشاق والمحفوف بالمتاعب والأخطار حفظا لكرامة الأمة وحقوق أبنائها عبر إزالة كل مظاهر الذل والخضوع وشكلت عن قناعة رغم التحديات وردود الفعل المفترضة المدد الحقيقي للمقاومات في المنطقة وخط التغذية النشط تسليحا ودعما وما طوفان الأقصى وغيره من الساحات التي توحدت بالنار ليتصدر في هذا المضمار الصفحات المشرقات اسم سوريا البعث علما خفاقا في سماء العروبة والمقاومة.
إن البعث اليوم كما الأمس يبذل جهودا مكثفة لتطوير دور الحزب وتفعيله بجميع مضامينه واتخذت إجراءات محددة هدفها تعزيز مشاركة القواعد الحزبية في حركة المجتمع والحياة.
ولأن البعث حزب قومي فكرا وتنظيما وهو لا يعرف للعرب وجود غير وجودهم القومي أو مستقبل خارج جوهرهم القومي وقد جعل من تجربة بناء سوريا ركنا بنيويا من أركان تعزيز هذا الجوهر القومي وعاملا يؤكد أن المصلحة الحقيقية لأي قطر عربي تتطابق مع المصلحة القومية لكل العرب.
هذا وجاءت كلمة سيادة الرئيس بشار الأسد للمثقفين والنخب البعثية بمثابة دينامية تقييم وتقويم للحالة البعثية تتضمن تحليلا شاملا للتوجه القومي الذي يجمع بين الفكر والمبدأ وبين السياسة والممارسة .
لقد ترجمت كلمة السيد الرئيس بشار الأسد أحاسيس ونبض الجمهور التواق للتجديد والتغيير وشكلت دليل عمل لمواجهة تحديات المرحلة ومخاطرها والأساس النظري الذي يعتمد عليه في صياغة المشروع القومي النهضوي وفي صميمه إسناد غزة وتوفير كل مستلزمات صمود المقاومين في الميدان الفلسطيني وكذا في الميدان اللبناني.
لقد كانت لافتة الرعاية الأبوية للبعث من قبل الرئيس بشار الأسد عبر تخفيز الأطر الراكدة والنمو المنتظم للأطر الحزبية وغاية الغايات:((بناء الإنسان بناء وطنيا وقوميا سليما هدفنا الأول الذي يحظى بكل اهتمام)) وإطلاق الطاقات فكانت لقاءات ونقاشات معمقة هادفة مع البعثيين في سوريا وسائر الأقطار ومنها قيادة لبنان وعلى رأسها الأمين العام للحزب علي حجازي الذي تمكن مع رفاقه من إحداث وثبة نوعية على مستوى التنظيم والتأطير والحضور السياسي والجهوزية للعمل في الميدان اذا ما تفاقمت الأمور على الجبهة الجنوبية اللبنانية مع العدو الصهيوني.
ما يمكن استخلاصه هو أن ثورة آذار 63 تتشكل مجددا عبر قراءة تطويرية لمنظومة البعث على المستوى التنظيمي التعبوي والإيديولوجي بإشراف مباشر ورعاية خاصة من سيادة الرئيس بشار الأسد لتحقيق الأهداف والغايات القومية بمضامينها المتجددة.
لقد تجاوزت سوريا المؤامرة الخبيثة لتغييرها وضرب مكانتها وشطب دورها وموقعها كمركز للقرار القومي وتواصل قواتها المسلحة الباسلة تنظيف ما تبقى من بؤر والاستعداد لتحرير ثرواتها المسبية في الشمال والعبث الفارغ في أكثر من بقعة والتفرغ لهذا الشأن ساحة تضاف إلى ساحات المواجهة على طريق القدس وخط مواجهة أساسي قي المعركة القائمة مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل ساحة.
نختم لنقول : إن جيش سوريا العقائدي والبعث ونظريته القومية التحريرية والقيادة. الرائدة الشجاعة ثلاثي صمود سوريا على طريق آذار حماية للعروبة والوحدة وللأهداف الجامعة والانتصار.