مقالات

كيف يمكن لإسرائيل أن تتسبب في انهيار الإمبراطورية الأمريكية..


تحدث موقع “UNHERD” البريطاني، في تقرير للكاتب أريس روسينوس، عن ضعف قدرة الولايات المتحدة في الدفاع عن العالم الذي خلقته على صورتها، والذي يتبدّى من خلال الحرب على غزة، التي يُمكن أن تتسبب في “انهيار الإمبراطورية الأميركية”.

وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية

قبل أقل من شهر، سُئل الرئيس الأميركي جو بايدن أمام الكاميرا عمّا إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على إنهاء الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط في وقت واحد، فأجاب: “نحن الولايات المتحدة الأميركية، أقوى دولة في تاريخ العالم”.

وبعد بضعة أسابيع، وفي مواجهة ضغوط داخلية لإصدار أمر لـ”إسرائيل” بوقف حملة القصف الدموية ضد غزة، أعلن مسؤولو إدارة بايدن بدلاً من ذلك عن عجزهم التام عن التأثير في حليفتهم.

وعلى نحو مماثل، اصطدمت تصريحات بايدن المبكرة بأنّ واشنطن ستدعم أوكرانيا “طالما استغرق الأمر” بجدار من الخلل الوظيفي السياسي الأميركي، إذ يتبين أنّ ذلك يعني، في الممارسة العملية، أقل من عامين بقليل.

تكشف الحروب ذات الأسباب المختلفة، في كل من غزة وأوكرانيا، حدود القوة الإمبراطورية الأميركية. وما كان لروسيا أو حركة حماس أن تطلق أياً منهما، وربما إيران خلفها، لولا الثقة في أنّ قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن العالم الذي خلقته على صورتها قد ضعفت بشكل جذري.

قبل الدخول البري إلى غزة، تحولت الحرب ضد حماس إلى كارثة دبلوماسية بالنسبة لكل من “إسرائيل” والولايات المتحدة، وذلك مع ربط بايدن بقاءه السياسي وسمعة أميركا العالمية بحكومة إسرائيلية لا تحظى بشعبية كبيرة في “إسرائيل” نفسها. ويبدو أنّ رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ليس لديه استراتيجية غير البقاء في السلطة وخارج السجن لأطول فترة ممكنة، مهما كانت العواقب على بلاده أو المنطقة ككل.

إنّ سعي واشنطن لتحقيق هدفها في إعادة ترتيب الشرق الأوسط نحو توازن سلمي لصالح “إسرائيل”، ومتحد ضد إيران، أصبح الآن في حالة يُرثى لها. فالدول العربية، التي تعرضت لفترة طويلة لضغوط أخلاقية لدفعها نحو الوقوف إلى جانب الغرب في أوكرانيا، تستطيع أن تشير بحق إلى نفاق أميركا عندما تُلقي محاضرات عن حقوق الإنسان والحاجة إلى حماية المدنيين. وفي غزة دُفنت الحجة الأخلاقية المتضائلة لصالح الهيمنة الإمبريالية الأميركية تحت الأنقاض أخيراً.

في الداخل، تنقسم قاعدة ناخبي بايدن بشدة، ما يُشكّل الآن، في حد ذاته، التهديد الاستراتيجي الأعظم لـ”إسرائيل”، الأمر الذي يخلق ديناميكية أكثر خطورة بكثير من حماس أو ترسانة صواريخ حزب الله. السبب الجذري لهذا الوضع هو الغطرسة الإسرائيلية الناجمة عن عقود من الدعم الأميركي الذي يبدو أنّه “بلا حدود”. ومع ثقة “إسرائيل” في أنّ الدعم الأميركي سيكون للأبد، وثقة واشنطن في أنّ قوتها قادرة دائماً على حماية “إسرائيل” من التهديدات الخارجية، وجد الطرفان نفسيهما حبيسين في طوق مختل.

قريباً، وفقاً لمسؤولين أميركيين، ستُجبر الضغوط الدولية والمحلية بايدن على الإصرار على وقف إطلاق النار. ومع ذلك، فإنّ أي وقف إسرائيلي للأعمال العدائية قبل “التدمير الكامل لحماس” سوف يُنظر إليه في مختلف أنحاء العالم باعتباره انتصاراً لحماس، وهزيمة لكل من “إسرائيل” والولايات المتحدة.

وبينما تحظى غزة باهتمام العالم، فإنّ القيادة الأوكرانية تناضل من أجل مواصلة التركيز على صراعها الوجودي. ولكن حرب أوكرانيا، بطريقتها الخاصة، تشكل مثالاً مأساوياً آخر للفجوة المتسعة بين التزامات أميركا الإمبريالية وقدراتها المتضائلة.

سيكون للأوكرانيين كل الحق في الاعتقاد بأنّ الوعود الكاذبة الأولية التي قدمها بايدن بالدعم الأميركي غير المحدود كانت، في النهاية، أسوأ بالنسبة للبلاد، من الدعم المحدد بوضوح ولكن المستدام في بداية الحرب.

في كلتا الحالتين، أدت الفجوة بين التصريحات العامة لإدارة بايدن بالدعم غير المحدود وتحفظاتها الخاصة إلى دفع حلفاءها إلى مواقف محفوفة بالمخاطر. لقد اعتاد القادة الأميركيون على الزعم بأنّ بلادهم ليست مجرد دولة، بل هي فكرة، ولكن هذه الفكرة أصبحت منفصلة على نحو متزايد عن الواقع الموضوعي.

لقد جعلت الاضطرابات السياسية الأميركية حتى التخطيط الاستراتيجي في الأمد المتوسط أمراً مستحيلاً. وينبغي للحلفاء الذين يعتمد دفاعهم على الدعم الأميركي أن يراقبوا هذا الاتجاه المتفاقم بقلق شديد.

إنّ اضمحلال نفوذ أميركا يتشكل بالفعل ليكون أكثر دموية من سقوط الاتحاد السوفيتي. وفي مواجهة مثل هذا الاحتمال، فإنّ المهمة المتبقية تتلخص في مساعدة واشنطن على إدارة انحدارها بأكبر قدر ممكن من الألم، ومنع الصراعات التي تقضم حافة إمبراطوريتها من الاندماج في حرب واحدة سوف تستهلكنا جميعاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى