في ظلال طوفان الأقصى “5”
الرواية الإسرائيلية الكاذبة والأبواق الأمريكية المتواطئة
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
ما إن انطلقت عملية طوفان الأقصى المباركة، وعاد المقاومون الفلسطينيون بغنائمهم إلى ثكناتهم، مخلفين وراءهم مئات القتلى الإسرائيليين، ومصطحبين معهم عشرات الأسرى من كبار الضباط والجنود والرتب العسكرية العالية، حتى بدأت الاتصالات الأمريكية تنهال على كبار المسؤولين الإسرائيليين المذهولين المصدومين، الذين هالهم ما حدث، وأربكهم ما وقع، وأدخلهم في دائرةٍ مؤلمة من الحيرة والقلق والاضطراب، وفاقم الأمر سوءً الصورُ المتناقلة بين المستوطنين، التي أظهرت حجم الهجوم وآثار العملية، وكشفت عن أعداد القتلى والمصابين وحجم الخسائر التي تكبدتها قواتهم ومستوطناتهم في غلاف غزة.
صدمة انهيار القوات الإسرائيلية أذابت جليد القطيعة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأنهت حالة البرود والفتور التي سادت بينهما، إذ أسرع الرئيس الأمريكي بالاتصال بنتنياهو مستفسراً عما حدث، ومتسائلاً عما جرى، ورغم أنه لم يكن قد استفاق من هول الصدمة، ولم يتمكن بعد من جمع خيوط العملية وفهم ما جرى، إلا أنه عرض على الرئيس الأمريكي روايته الكاذبة وسرديته المختلقة، وتباكى أمامه واشتكى، واستذكر المحرقة وخشى، وقص عليه قصصاً وحكاياتٍ لا أصل لها إلا في سجل جيشه الإجرامي ضد الشعب الفلسطيني.
قلب نتنياهو الحقائق، وزور الوقائع، وكذب في روايته، واستحضر مشاهد قتل الفلسطينيين، وصور اعتداء جيشه على النساء والأطفال، وقدمها للرئيس الأمريكي على أنها جرائم الفلسطينيين وفظائعهم ضد الإسرائيليين، ووصفهم بنبرةٍ حزينةٍ وصوتٍ باكٍ أنهم “داعش”، وأن مقاتليهم هم “جيش الدولة الإسلامية”، وأعاد إلى الأذهان جرائمهم ومجازرهم، والصور القاسية التي نقلت عنهم، متهماً حركة حماس بأنها فعلت فعلهم وقتلت مثلهم، وذبحت وقطعت الرؤوس ومثلت في الأجساد وقتلت الأطفال والرضع واغتصبت النساء، وأنه ينبغي على العالم كله أن يقف مع “دولة إسرائيل” ضدهم، وأن يتحالف لقتالهم، ويعمل على استئصالهم والقضاء عليهم.
صدق بايدن رواية نتنياهو ونقلها، وكذب إذ قال أنه رأى الصور وتألم للمشاهد، وسمع العالم كله تصريحاته المنحازة لإسرائيل، والقائمة على الكذب والافتراء، وتبناها الكثير من كبار المسؤولين والمشاهير والكتاب والإعلاميين وغيرهم، قبل أن يتراجع كبير الناطقين باسم البيت الأبيض عن الرواية، ويعترف بأن الرئيس الأمريكي لم يشاهدها، وإنما سمع عنها من نتنياهو، الذي هاتفه أربع مراتٍ متتاليةٍ خلال ثلاثة أيامٍ فقط، وهو الذي رفض تحديد موعدٍ له لزيارة واشنطن، وامتنع عن الاتصال به واستقباله منذ تشكيله حكومته قبل أقل من عامٍ، وأكثر من توجيه النقد له ولساسته ولبعض أعضاء حكومته.
رغم نفي البيت الأبيض لصحة رواية نتنياهو وتراجع الرئيس الأمريكي عنها، إلا أن الأخير عاد وكررها، وكأنه قد عز عليه ألا يصدق “الكاذب” نتنياهو، وعمد مساعدوه إلى تكرار الرواية وتبنيها، إذ استعظم وزير الخارجية أنتوني بلينكن “الجرائم”، ووصفها بأنها قاسية ومؤلمة، وأنه لا يستطيع أن يشاهدها لفظاعتها، وبدأ يسرد في مؤتمراته الصحفية بعض القصص التي رويت له، ويتحدث بألمٍ عن معاناة العائلات والأسر الإسرائيلية التي فقدت أبناءها، ولحق بها الضرر نتيجة “هجوم” حماس عليها، وحذا حذوهم وصدق مثلهم وروى عنهم وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وأصغى إلى وزير حرب العدو يؤاف غالانت، الذي وصف الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”.
أمام هذه الحملة المنظمة لتشويه المقاومة والإساءة إليها، وتبرير الاعتداء عليها وإعلان الحرب ضدها، وهي المقاومة الوطنية الشريفة، التي تلتزم القوانين الدولية وأعراف الحرب، وتلتزم التعاليم الإسلامية ولا ترتكب جائم منافية لها، وقد شهد العالم كله كيف أن مقاتلي القسام قد امتنعوا عن إيذاء المستوطنات وأطفالهن، وأنهم أعادوا امرأةً إسرائيلية وطفليها، وأمنوا لها الطريق، واطمأنوا إلى انتقالها إلى الجانب الآخر، يجب على كل قادرٍ وفي كل مكانٍ وبكل اللغات، ولدينا كل الأدوات والشواهد من الصور والوثائق، أن يساهم في تفنيد الرواية الإسرائيلية ودحضها، وإماطة اللثام عن جرائمهم النكراء وفضحها، والتأكيد على الرواية الفلسطينية ونشرها، وتوثيقها بالصوت والصورة وتعميمها.
بيروت في 14/10/2023