وكالات

حوار شامل أجرته صحيفة الوفاق مع د. حسن أحمد حسن

تم نشره بتاريخ 20/9/2023م.

بخصوص العديد من القضايا الشائكة والمتداخلة، ومنها: توضيح ما يجري في الجزيرة السورية، ومستقبل “قسد” ـ ثمن تحالف أمريكا مع تركيا بخصوص قسد ـ طبيعة المشهد بعد الصراعات هناك، وانعكاس ذلك على المسار السياسي في سورية خصوصا والعربي عموما نظراً لتعدد الفواعل ـ محاولات أمريكا ونشاطها المكثف لإحياء داعش والجماعات الإرهابية، وما الذي تبتغيه أمريكا من ذلك ـ إدلب وتحشد الجماعات الإرهابية، وما هي خطة الدولة السورية لاستعادة إدلب …
وفيما يلي مضمون الإجابة بوضوح وشفافية على الأسئلة الدقيقة التي وجهتها صحيفة الوفاق، ولمن يود الاطلاع على المقابلة كما نشرتها الصحيفة يمكنه الضغط على الرابط المدون أدناه:
لواء سوري للوفاق: أمريكا تريد قطع شرايين التواصل بين أقطاب محور المقاومة
خاص الوفاق: ليس جميع الأكراد السوريين يتبنون النزعة الانفصالية، فهناك نسبة كبيرة من الأكراد تتبنى الموقف الوطني للدولة السورية.
2023-09-19
الوفاق/ محمد أبو الجدايل
جدّدت التطورات الأخيرة المستمرة والمستعرّة في كل من دير الزور شرقي سوريا وفي بعض المناطق شمال غربي البلاد، إحياء الملف السوري بعد نحو 3 سنوات من الهدوء والإستقرار، وذلك في ظلّ تحرّكات أمريكية مشبوهة أحيت على إثرها نشاطات الإرهابيين، إذ لم تتوقف الاشتباكات في ريف دير الزور الشرقي بين العشائر العربية من جهة، وقسد الإرهابية المدعومة من المحتل الامريكي، فما يحدث في دير الزور “أبعد وأعمق من قضية إقالة قائد عسكري ضمن المجلس العسكري لما يسمى جماعة قسد الإرهابية، وهو يتعلق بالمشهد السوري العام وبمحاولة خلط الأوراق مرة أخرى لإطالة عمر الأزمة، سيما الإحتلال الأمريكي المستفيد الأكبر من إٍستدامتها”.
في السياق، أجرت صحيفة الوفاق الدولية حواراً مع الباحث السوري المتخصص بالجيوبوليتيك والدراسات الإستراتيجية اللواء المتقاعد الدكتور حسن أحمد حسن، تحدّث خلاله بإسهاب حول آخر التطورات في سورية.
فيما يلي نصّ الحوار:
س: كيف تنظرون لما يجري في الشرق السوري من دخول للعشائر على خط المواجهة وخصوصاً أنها تمثل 85 ٪ من سكان الجزيرة؟
العشائر والقبائل تمثل الغالبية الساحقة من سكان الجزيرة السورية، وليس فقط 85%، ولذا من المهم توضيح بعض النقاط المتعلقة بهذا الأمر، ومنها:
نسبة أبناء العشائر والقبائل السورية في البنية التنظيمية لقوات قسد تشكل 80 ـ 85% ، والسبب المباشر في ذلك يعود لإنخراط الجميع في مواجهة وحشية تنظيم داعش في بداية إطلاقه بإشراف الاستخبارات الأمريكية، وبعد تبني واشنطن لقوات قسد ودعمها بالمال والسلاح بقى قسم من أبناء العشائر ضمن قوامها القتالي، لكن قسد تبنت نزعة انفصالية تهدد الأمن الوطني السوري، وسلامة الدولة السورية وسيادتها على كل أراضيها، وليس بالضرورة أن يكون أبناء العشائر ضمن قسد يتبنون النزعة ذاتها، وهذا أمر على غاية من الأهمية، ويجب أن يكون واضحا لكل المهتمين بتطور الأحداث وتداعياتها.
ليس جميع الأكراد السوريين يتبنون النزعة الانفصالية، فهناك نسبة كبيرة من الأكراد تتبنى الموقف الوطني للدولة السورية، وضد النزعة الانفصالية التي أعلنتها قسد بدعم مباشر من قوات التحالف بقيادة واشنطن.
*نسبة الأكراد في قسد أقل من 20%
قسم كبير من قيادات قسد الذين يتحكمون بكل شؤونها ليسوا سوريين، بل من جبال قنديل وغيرها، وتم استقدامهم لتأدية دور متناقض مع المصالح العليا للدولة السورية، وفي الوقت نفسه متناقض مع المصالح المباشرة لأبناء القبائل والعشائر في الجزيرة السورية، وهذا يفسر هبة العشائر لوضع حد لتجاوزات قسد، وتفردها بإدارة شؤون المنطقة وفق ما يراه سيدهم الأمريكي المتحكم بالجميع، وإن كان التحكم بنسب متفاوتة.
لا يجوز النظر إلى قسد على أنها مكون كردي صرف، فنسبة الأكراد أقل من 20%، وهؤلاء يشغلون المناصب العليا، وهم يقودون بقية 80% من المرؤوسين الذين ينتمون إلى العشائر والقبائل العربية السورية، إضافة إلى التحكم بكل مفاصل الحياة العامة للجميع في تلك المنطقة.
إشاعة جو من الرعب والقدرات الأمريكية الأسطورية دفعت العديد من أبناء العشائر العربية ليلوذوا بقوات التحالف بقيادة أمريكا اتقاء لشرور داعش وإرهابها المنفلت من كل عقال، وهذا لا يقلل دور المال الواصل من بعض الدول العربية الذي كان يضخ لاستمالة أولئك واصطفافهم مع قوات الاحتلال الأمريكية، وما يزال بعض المال يتدفق من بعض الدول الخليجية مثل قطر التي لا تخفي دعمها لكل ما هو ضد الدولة الوطنية السورية.

  • العشائر لا يخفون ولاءهم للدولة السورية
    بعض العشائر والقبائل ضد قسد منذ البداية، وضد الاحتلال الأمريكي في الوقت نفسه وهم لا يخفون ولاءهم للدولة السورية، ويفخرون بانتمائهم وهويتهم السورية التي يحملون، وهؤلاء يمكن أن يبنى على مواقفهم الكثير، كما أنهم النواة الأكثر ملاءمة لبلورة مقاومة سورية فعلية وفاعلة في مواجهة القوات المحتلة بجميع مسمياتها ومرجعياتها تركية كانت أم أمريكية.
    الإقتتال الذي حدث في دير الزور ما كان له أن يحدث إلا بضوء أخضر أمريكي ـ إن لم يكن بإيعاز أمريكي ـ بدليل توقف كل حالات الاشتباك عندما قالت واشنطن “كفى”، وإن كان موقف بعض العشائر ما يزال معلناً بالتصدي لتجاوزات قسد، فهؤلاء من العشائر المتمسكة بانتمائها للدولة السورية، وليس لأي مشغل خارجي.
    *إنتهاكات قسد لحقوق أبناء العشائر
    تجاوزات قسد وتطاولها على أبناء العشائر وفرض وصايتها والإستخفاف بكرامة الناس، وسوق الشباب للتجنيد الإجباري وكثير غير ذلك من السلوكيات المتناقضة ومقومات عزة النفس والكرامة وبقية الشمائل الحميدة التي يعتز بها أبناء العشائر كانت السبب المباشر في اندلاع المواجهات، لكن السبب الجوهري والرئيس يرتبط برغبة الأمريكي في حصول ذلك لإرغام الجميع على الاستظلال بخيمته، وتقديم فروض الولاء والطاعة أكثر، وإفهام الجميع أن لدى الأمريكي بدائل متعددة، ومن يريد أن يحظى برضا اليانكي الأمريكي عليه أن يثبت كفاءته في ميادين القتال، وللأسف هذا ما حدث، فضلا عن جملة من الأهداف الأخرى التي أرادها الأمريكي لضرب عدة عصافير بحجر واحد.
    س: هل يمكن أن تكون ساحة الجزيرة مبعث حلّ سياسي قادم في ظل تخلي أمريكي عن “قسد” و دعم تركي في مواجهتها؟
    ولماذا تتخلى أمريكا عن قسد في مثل هذا الوقت الذي تسعى فيه لتجنيد أكبر عدد ممكن لإعادة محاولة فرض التقسيم والتشظية؟ والأمر الآخر الذي يجب التوقف عنده بكثير من الدقة والمسؤولية يتعلق بتركيا الأطلسية، فتركيا كانت وما تزال رأس حربة الناتو، ولا يمكن لتركيا أو لغيرها من الدول الدائرة في الفلك الأمريكي أن تتنفس إلاّ ضمن الهامش المسموح لها المناورة فيه، ومن المهم فهم الدور المزدوج الذي تقوم به قوات التحالف بقيادة واشنطن، فالاحتلال الأمريكي يتكامل مع الاحتلال التركي ولا يتناقض معه قط، وكل منهما يتّكئ على وجود الآخر للتذرع باستمرار احتلاله لبعض الجغرافيا السورية.
    *تبرير استمرار عدوانه واحتلاله
    فتركيا تقول إنها تحتل المناطق التي تنتشر بها قواتها لدرء أخطار قسد التي تهدّد الأمن القومي التركي، وقسد هذه مدعومة من الأمريكي الذي تنتمي تركيا للحلف الذي تقوده واشنطن، وقسد وتركيا تتبادلان الأدوار بقطع مياه الشرب برضا أمريكي عن أكثر من مليون مواطن سوري يعيشون في الحسكة وريفها، والمسؤولون الأمريكيون الذين يقودون قوات التحالف يتذرعون بأنهم لا يريدون الإنسحاب خشية عودة تنظيم داعش وبقية الإرهاب التكفيري المسلح، وفي الوقت ذاته نجد متزعمي داعش وجبهة النصرة الذين تنتهي أدوارهم الوظيفية وتقوم القوات الأمريكية بتصفيتهم، يتبين أنهم يقيمون في المناطق الحدودية السورية التركية، أي برعاية تركية مباشرة، وهكذا يستفيد كل احتلال من الآخر لتبرير استمرار عدوانه واحتلاله المتناقض مع كل ما له علاقة بميثاق هيئة الأمم المتحدة والقانون الدولي.
    *تركيا مرؤوس خاضع للإرادة الأمريكية
    نقطة أخرى من المفيد ذكرها هنا، فتركيا مرؤوس خاضع للإرادة الأمريكية، وقسد كذلك مرؤوس خاضع للإرادة ذاتها، وداعش وبقية التنظيمات الإرهابية التكفيرية المسلحة صناعة أمريكية بامتياز باعتراف المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم الرئيس الأمريكي السابق ترامب ووزيرة الخارجية في إدارة أوباما هيلاري كلنتون وكثيرون غيرهما، وما يجري ليس أكثر من تنفيذ دقيق لأدوار وظيفية يحدد مداها وعمقها وطبيعتها وأهميتها الجنرالات الأمريكيون، والباقي منفذون يتحسسون أقفيتهم المكشوفة للسياط الأمريكية في حال حدوث تعثر أو تقصير.
    برأيك ما ثمن تحالف أميركا مع تركيا فيما يتعلق “بقسد”.. و أية مكاسب من الممكن أن تحققها العشائر التي يشكل جزءاً منها داعماً مندمجاً مع “قسد”؟
    أعود لتأكيد ما ذكرته سابقاَ بطريقة أخرى: تركيا وقسد والعشائر المنضوية في الكنف الأمريكي أو التركي أدوات تنفيذية، وواشنطن لا تتحالف مع مرؤوسيها وأتباعها وأزلامها، بل تأمرهم وتوزع عليهم المهام، وهذا لا يتناقض مع الهامش الذي تمنحه لكل منهم للمناورة بما يتناسب وقوته وثقله الذي يتركه على الأرض، وما الإقتتال الذي شهدته دير الزور وريفها في الفترة الأخيرة إلا الدليل على صحة ما أقوله، فليس بإمكان قسد أن تستدعي قائد مجلس دير الزور العسكري وتعتقله بدون علم واشنطن، وليس بإمكان العشائر الموالية للجنرالات الأمريكيين أن تعلنها حرباً على قسد إلا برضا الأمريكي نفسه، ولم يوقف الطرفان الاقتتال إلا بقرار أمريكي لكي يفهم كل طرف أنه ليس الوحيد الذي تعتمد واشنطن عليه، بل هناك بديل له، وقد يكون أكثر من بديل، وعلى الجميع أن يكونوا أكثر تبعية وانبطاحا، وإلا يمكن الاستغناء عنهم واستبدالهم، والعشائر المرتبطة بتركيا هللت لتقدم القوات التركية تحت عنوان الفزعة لدير الزور، وأولئك يعلمون أن قسماً كبيراً من أبنائهم يقاتلون في صفوف قسد التي يحافظ عليها الأمريكي، ويمسك بها كالعصا من المنتصف مرة يلوح بها فوق رأس التركي، ومرة فوق رأس العشائر وفق الواقع المستجد.
    *الأدوار الوظيفية المحدد للأتباع
    بغير هذه القراءة يصعب فهم المتناقضات المتشكلة والقائمة على أرض الواقع، ومن الطبيعي أن يدخل بالحسبان محاولة أردوغان استغلال الواقع المستجد، والسعي لتوسيع المناطق التي يحتلها في الشمال السوري بذريعة تحصين الأمن القومي التركي من أخطار قسد، وفي الوقت نفسه يقف ضد انتشار الجيش العربي السوري على الحدود لضمان تحصين الأمن الوطني السوري، وإزاحة عبء التخوف من قسد على الأمن التركي، وهذا يؤكد الأدوار الوظيفية المحدد التي تسندها واشنطن للأتباع والأزلام والأدوات التنفيذية.
    أي مشهد سيكون بعد الصراعات هناك، و ما انعكاس ذلك على المسار السياسي في سورية خصوصا والعربي عموما نظراً لتعدد الفواعل فيها؟
    يمكن القول بكثير من الاطمئنان إن ما يحدث في الشرق والشمال الشرقي السوري وتداعيات المواجهات المفتوحة ومآلاتها سيترك ظلاله على ما تبقى من فصول الحرب المفروضة على الدولة السورية بكليتها، والنتائج النهائية لهذه الحرب ستكون عنوان المرحلة القادمة لطبيعة توازن القوى والعلاقات الدولية على المستويين الإقليمي والعالمي، وإذا كان هناك من يتحدث عن إرهاصات لولادة نظام عالمي جديد، فتلك الإرهاصات متصلة بشكل مباشر بما يتمخض عنه الصراع الدائر على الجغرافيا السورية، وهو يتجاوز بكل تأكيد هذه الجغرافيا إلى الإقليم والعالم، وبالتالي قد يكون من المبكر إطلاق أحكام نهائية الآن بهذا الخصوص، وهذا لا يقلل من حجم انحسار النفوذ الأمريكي بخاصة، والأطلسي بعامة، وازدياد فاعلية أطراف المحور الآخر، وهذا يزيد من ارتخاء قبضة اليانكي الأمريكي التي كانت تمسك بشدة وعنف بخيوط كل ما يحدث في العالم، وما الرغبة الظاهرة والمتزايدة لدى العديد من الدول للخروج ما أمكن من تحت العباءة الأمريكية مع الحرص على عدم إغضاب واشنطن إلا الدليل الناصع على صحة ما أقول.
    *المسار السياسي في سورية
    ما يتعلق بالمسار السياسي في سورية هو شأن داخلي سوري، ولا يحق لأمريكا أو غيرها التدخل بالشؤون الداخلية للدول المستقلة ذات السيادة، ولا شك أن تعاون دول المنطقة لمواجهة التحديات الكبيرة القائمة بما يخدم مصالح شعوب المنطقة بعيداً عن التدخلات الخارجية المشبوهة ينعكس إيجابا على الجميع، ولعل الاتفاق الإيراني السعودي برعاية صينية وتبادل السفراء يشكل البوابة المطلوبة لمزيد من التعاون المثمر والبناء في المنطقة، وتجاوز الأحقاد والخلافات التي يعمل أعداء الإنسانية على زرعها وزيادتها وتعقيدها لتنفيذ الأجندات الخارجية، وهذا ما يجب الانتباه له والوقوف عنده بكثير من الحذر والمسؤولية، فالقضايا التي تشغل بال الدول العربية كما أوضح السيد الرئيس بشار الأسد في قمة جدة: “هي نتائج لعناوين أكبر لم تعالج سابقاً، أما الحديث في بعضها فهو بحاجة لمعالجة التصدعات التي نشأت على الساحة العربية خلال عقد مضى واستعادة الجامعة لدورها كمرمم للجروح لا كمعمق لها، والأهم هو ترك القضايا الداخلية لشعوبها، فهي قادرة على تدبير شؤونها وما علينا إلا أن نمنع التدخلات الخارجية في بلدانها ونساعدها عند الطلب حصراً“.
    تشير تحركات أمريكا ونشاطها المكثف عن وجود محاولات لإحياء داعش والجماعات الإرهابية، ما وراء تلك التحركات في رأيكم؟ وما الذي تبتغيه أمريكا من ذلك؟
    داعش وبقية التنظيمات الإرهابية المسلحة صناعة استخباراتية بامتياز، والرائحة الأمريكية الكريهة الطاغية لا تحتاج إلى رفع البصمات في المختبرات الجنائية للتيقن أن واشنطن كانت وراء خلق تلك التنظيمات الإرهابية، ودعمها لضمان تفتيت المنطقة وفق محددات الإستراتيجية الأمريكية المهووسة بإشعال الحروب والفتن وبؤر التوتر لتبرر تدخلها وتعمد خلط الأوراق، وإعادة ترتيبها وفق ما تراه حكومة الظل العميقة التي تقف وراء كل الشرور الكونية، لكن صمود سورية بمساعدة الخلفاء والأصدقاء والشركاء قطع الطريق، وتم تهشيم العمود الفقري للإرهاب التكفيري المسلح الذي استهدف سورية والعراق بالدرجة الأولى، وهذا يعني إضافة إخفاق جديد في سجل الفشل الأمريكي المتزايد والمتنقل، ومن يفهم العقلية الأمريكية والنزعة الاستعلائية والغطرسة والعربدة التي تحكم الإدارات الأمريكية المتعاقبة جمهورية كانت أم ديمقراطية يدرك أن العقل الاستخباراتي الأمريكي الخبيث لابد إلا وأن يعمل لإيجاد البدائل التي تمكنه من توسيع بيكار المناورة والتسويف عندما يحشر في الزاوية، وطالما أن نقطة الضعف القاتلة في العدوانية الأمريكية مرتبطة بالعجز عن تحمل الخسائر ولاسيما البشرية منها، فالمعادل الموضوعي الوحيد المتوفر لتبرير البقاء في المنطقة يكون بإعادة ضخ دماء القدرة على القتل والإجرام والترويع في الشرايين الداعشية، على أمل أن يساعد مرور الوقت قوات التحالف بقيادة أمريكا في إدخال تعديلات على لوحة الاشتباك التي يبدو أنها ليست في صالح واشنطن وكل من يدور في فلكها الآسن.
    *العجز عن تفتيت سورية
    بكلمات أخرى يمكن القول: في ظل العجز عن تفتيت سورية وكسر إرادتها بعد مرور أكثر من اثني عشر عاماً من أقذر حرب كونية عرفتها البشرية، وترافق ذلك مع فشل العقوبات الاقتصادية والحصار المتناقض مع القانون الدولي لا يبقى أمام الأمريكي إلا محاولة إعادة خلط الأوراق من جديد لضمان بقائه أطول مدة ممكنة بصفته الاحتلالية التي من خلالها يستمر بسرقة النفط والغاز والحبوب، ويستغل هذا الوضع الشاذ للضغط على سورية وبقية أطراف محور المقاومة فضلاً عن الاحتكاك بالروسي لتعويض بعض الإخفاقات الإستراتيجية المتراكمة على الجبهة الأوكرانية، وبالتالي يمكن فهم هذا التصعيد الأمريكي لتحقيق أكثر من هدف، وعلى أكثر من ساحة أو اتجاه، ومنها:
    إشغال روسيا في سورية وإرباكها لتخفيف الآثار السلبية لما يجري في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه يمكن اعتبار توتير الأوضاع مقدمة مطلوبة وخطوة استباقية لقطع الطريق على مشروع الحزام والطريق التي تعمل بكين على بلورته.
    مضايقة إيران عبر العمل على التحكم بالحدود العراقية لقطع شرايين التواصل بين الرأس القاطر في طهران، وبقية أقطاب محور المقاومة في المنطقة، و العمل لخلق صراع سني ـ شيعي داخل الحدود العرقية، وصراع عشائري ـ قبلي في الطرف السوري.
    قبل هذا وذاك الاستمرار بالانتقام من الشعب السوري على بقائه مع وطنه وجيشه وقائده، والعمل بكل السبل لتحقيق أي شيء ممكن ضمن حلقات تفتيت دول المنطقة وإعادة ترتيبها وتركيبها لتكون أكثر طواعية وتبعية وخدمة للمصالح الصهيو ـ أمريكية، وكل ما تبقى تفاصيل.
    الأهم في كل ما ذكر تيقن المسؤولين الأمريكيين من الفشل الحتمي، ومع ذلك يكابرون للحفاظ على الستاتيكو القائم بعد العجز عن فرض التغير بالإرهاب التكفيري والحرب العسكرية والسياسية والاقتصادية والإعلامية المركبة.
    في إدلب حيث تحتشد الجماعات الإرهابية، ما هي خطة الدولة السورية لاستعادة إدلب؟ وهل توجد تحركات جادة قي القريب العاجل؟
    إدلب محافظة سورية، ومن حق الدولة وواجبها العمل على تحرير كل أراضيها من الاحتلال بمختلف أشكاله ومسمياته، وهنا لابد من الأخذ بالحسبان سلم الأولويات وفق ما تراها القيادة السورية، وهذا الأمر خاص بالمستوى الأعلى الذي يقود الأعمال القتالية والمواجهة العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية، مع الأخذ بالحسبان تداعيات المواجهة وما قد تفرزه من تطورات يجب التعامل معها بمسؤولية، وقد أثبت الدولة السورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد، أنها تخوض فصول هذه الحرب الهجينة والمركبة بكفاءة عالية محافظة على الثوابت والمحددات الأساسية للسياسة السورية الرافضة كل ما له علاقة بالخضوع والإذعان أو المساومة على مقومات السيادة والكرامة والمصالح الوطنية العليا للدولة السورية.
    هذا بالإطار العام، وبالمنطلق التحليلي أرى أن العدو التركي وكل ملحقاته تابع للأمريكي، ولذا فإن زوال الخطر الأكبر أي الأمريكي أو تحييده على الأقل والتقليل من آثاره السلبية سينعكس بالضرورة إيجاباً على بقية الجبهات، وهذا يعني أن الأولوية ـ بالتحليل، وليس بالمعلومة ـ يجب أن تركز على مواجهة أخطار الاحتلال الأمريكي في الشرق والشمال الشرقي، وأية خطوة يتم إنجازها على طريق إرغام الأمريكي على الخروج تصب في طريق إمكانية فكفكة ما تبقى من القطب المعقدة في جبهات أخرى في إدلب أو غيرها، والعكس صحيح.
    هل لديكم ما تودون قوله في ختام هذا الحوار ؟
    هناك الكثير مما يمكن قوله، لكن باختصار شديد أرى أنه إذا كانت الحرب مكاسرة إرادات فقد نجحت الدولة السورية في مواجهة كل الضغوط والعوامل السلبية التي عملت على كسر الإرادة السورية، وثبت للعالم أجمع أن سورية حذفت من قاموسها كل ما له علاقة بالتردد أو المساومة على الحقوق والكرامة، واستطاعت أن تقطع مراحل أكثر من خطيرة، وسورية هذه بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد ليست وحيدة في ميادين المواجهة المفتوحة، بل معها حلفاء وأصدقاء وشركا أوفياء وقادرون على إرغام أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن وتل أبيب على إعادة حساباتهم أكثر من مرة قبل الإقدام على أية مغامرة أو مقامرة قد يكون بعض أقطاب محور المقاومة ينتظرون بلهفة لقيام العدو بذلك لوضع كل ما تبقى من فصول حرب تستهدف المنطقة وشعوبها على حافة الهاوية التي سيمتلئ قاعها بالمتغطرسين والمتجبرين، ولن يكون ما ينتظر أقطاب محور المقاومة إلا النصر الناجز والتام والمؤزر والناجز إن شاء الله.
    أشكر جريدة الوفاق وكل العاملين فيها إدارة وإعلاميين على إتاحة هذه الفرصة الطيبة لتوضيح كل الأفكار السابقة وعرضها بشفافية على جمهور القراء الأكارم.
    المصدر: الوفاق
    ………….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى