مقالات

الرئيس حافظ الأسد : المفاوض الذي لا يجارى ..

كتب ناجي صفا

لم يسبق أن عرف التاريخ شخصية مفاوضة تُضارع شخصية الرئيس حافظ الأسد ، حاول الأميركي على مدار عدة رؤساء بكل حنكتهم وقوتهم إبتداءً من ريتشارد نيكسون وصولاً إلى الرئيس بوش الأب ومروراً بكارتر وكلينتون حاولوا لَيْ ذراع الرئيس الأسد وفشلوا في ذلك.
لم يمتلك رئيس عربي الجسارة التي إمتلكها حافظ الأسد،لعب على مدار أربعة عقود على حافة الهاوية دون أن ينزلق،ودون أن يساوم، أو يتنازل ، رغم فهمه العميق لإختلال ميزان القوى بعد خروج مصر من دائرة الصراع العربي – الصهيوني، ورغم إنهيار الإتحاد السوفياتي الحليف الإستراتيجي للعرب. بَقيَ يكافح ويقارع حتى اللحظة الأخيرة من حياته ودون أن يوقّع على ما لا يقتنع به .

لعل الجلسة الشهيرة بين الرئيس الأسد وجيمس بيكر التي إستمرت عشر ساعات من التفاوض لدرجة أن السفير دجيرجيان مساعد وزير الخارجية إستأذن الرئيس الأسد بأنه يريد إجراء مكالمة ليُعلّق الوزير بايكر بالقول أليس مستغربًا أن يُجري السفير دجيرجيان مكالمة من الحمّام ، ليعود بايكر نفسه ويُخرج من جيبه منديل أبيض ويقول للرئيس الأسد إنني أرفع الراية البيضاء والذهاب إلى الحمام.

عشر ساعات متواصلة لم يتحرك الرئيس الأسد عن كنبته، كان يُقارع الوزير بايكر ( المفاوض الصلب ) حول الحق الفلسطيني والحق العربي والقدس، ويرفض حضور الدول الخليجية للمؤتمر، الأمر الذي أثار حفيظة بايكر ، لكن الرئيس الأسد قال له أن دول الخليج ليست طرفاً في الصراع مع إسرائيل،و أن الحضور يجب أن يقتصر على الدول المحيطة بإسرائيل أصحاب القضية والمشتبكين معها،وقد برّر الرئيس الأسد موقفه حيال دول الخليج لأنه كشف الأهداف الأميركية والإسرائيلية من طلب المشاركة الخليجية بأن بايكر يريد نسج علاقات ولقاءات بين دول الخليج و إسرائيل تحت عنوان السلام.
هم لم يكونوا يريدون السلام الفعلي بدليل رفضهم مشاركة الأمم المتحدة و أوروبا حيث تذرّع بايكر بأن أوروبا12 عضواً ولا يمكن أن تتمثل أوروبا ب12 عضوًا في حين تتمثل الولايات المتحدة بعضو واحد.
كان الرئيس الأسد يُصر في حواراته على وفد عربي موحد لأنه كان يَخشَى من إتفاقات فرعية وجانبية فيما لو جرى تجزئة الوفد العربي، فوحدة الوفد تضمن وحدة الرؤية وقوة الموقف،في حين تجزئة الوفد الذي كانت تُصُر عليها إسرائيل كان بهدف إلاستفراد بكل دولة على حدة .
لا شك أن جولة المفاوضات تلك الشهيرة يجب أن تُدرّس لطلاب العلوم السياسية والعلاقات الدولية في قواعد التفاوض .

في لقائه مع الرئيس الأميركي بيل كلينتون في جنيف أصَر الرئيس الأسد على أن حدوده هي بحيرة طبريا ، بحيث تُصبح سوريا شريكة في البحيرة بموجب قانون البحار الدولي، قائلاً إنني أريد أن أصطاد السمك في البحيرة وأن أغسل قدميّ فيها، وأجابه الرئيس الأميركي بأنك تستطيع إصطياد السمك بقصبة طولها عشرة أمتار ولكن لا يمكنك أن تقف على حدودها مباشرة ، ورفض الرئيس الأسد و أنهى اللقاء.
كان الرئيس الأسد يُدرك النوايا الأميركية – الإسرائيلية بأنهم لا يريدون السلام الفعلي و إنما تأمين دور إسرائيل في المنطقة و إنخراطها بعلاقات دبلوماسية و إقتصادية دون الإقرار بالحقوق العربية ولا سيّما الفلسطينية.

كان الرئيس الأسد يمارس كل فن التفاوض وهو يُدرك قوة الولايات المتحدة وقدرتها على إثارة البلبلة داخل سوريا والتخريب وخلق الفوضى والتفجيرات، لكن كل هذا لم يَمنعه من الإصرار على مواقفه وتمسكه بالحقوق، كان دائماً يطرح تعريفاً للإرهاب والتفريق بين الإرهاب والمقاومة، و أن دعمه للمقاومة في لبنان وفلسطين هو حقٌّ يكفله القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وكافة الشرائع التي تُبيح حق المقاومة بكافة السبل لتحرير الأرض المحتلة .

لم يُنصف التاريخ حافظ الأسد ، ولم يعطه حقه الذي يستحقه نتيجة ضعف الإعلام المقاوم ونتيجة التآمر . ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى