المقالات

ميثاق مللي


| حسن م. يوسف

سألني أحد القراء مؤخراً، عن ماهية «الميثاق المللي» الذي يكثر أردوغان الحديث عنه، لتبرير احتلال الجيش التركي مناطق واسعة من سورية والعراق، ونظراً لأن معلوماتي عن ذلك الميثاق ترجع لما قبل كتابة مسلسل «إخوة التراب»، الذي مضى عليه ربع قرن، فقد اعتذرت عن الإجابة ووعدت الرجل بأن أرد عليه بمقال مفصل، بعد تحديث معلوماتي عن الموضوع.

بعد هزيمة السلطنة العثمانية في الحرب الكونية الأولى قام مصطفى كمال أتاتورك باستدعاء أعضاء البرلمان العثماني، المعروف باسم «مجلس المبعوثان»، وبعد عدة جلسات أعلن المجلس في الثامن والعشرين من كانون الثاني 1920 عن وثيقة باسم الميثاق الملليّ أي «الرؤية الوطنيّة»، رسمت حدود تركيا الجديدة بعد سقوطِ الدولة العثمانية، وفقاً لرؤية القوميين الأتراك، وقد كان ذلك هو الاجتماع الوحيد لمجلس المبعوثان، إذ ألغى أتاتورك السلطنة العثمانيّة بعد أشهر! لكن دول الحلفاء رفضت الاعتراف بالحدود الواردة في الميثاق المللي، التي يقتطع فيها الأتراك أجزاء كبيرة من سورية والعراق وأرمينيا وإيران وجورجيا واليونان وبلغاريا، إضافة إلى تراقيا الغربيّة، وجزر بحر إيجة، وجزيرة قبرص بكاملها.

وبعد مفاوضات طويلة أذعن الأتراك ووقعوا «معاهدة لوزان» عام 1923، التي رسمت حدود الجمهورية التركيّة كما هو معترف بها اليوم. وبذلك تحول «الميثاق الملليّ» إلى مجرد وثيقة تاريخية منتهية الصلاحية.

لكن أطماع تركيا التوسعية لم تتوقف أبداً، ففي تشرين الثاني 1939، أعلنت تركيا ضم لواء «الإسكندرون» السوريّ بعد أن سهلت لها حكومةِ الانتداب الفرنسيّ، هذا الأمر. وقد عمل الأتراك على مسح هوية اللواء فسموه «هاتاي»، ووضعوا أقصى طاقتهم لجعل اللوائيين ينسون من هم. وفي عام 1974، غزا الأتراك قبرص وأسسوا جمهورية شمال قبرص التركية، التي لم يعترف بها أحد حتى الآن سوى تركيا نفسها.

عملية الإنعاش الجدية للميثاق المللي بدأت مع اندلاع نيران الربيع العبري في المنطقة العربية. فقد أشار أردوغان مراراً إلى أن تدخّله في سورية والعراق هو حقٌّ مشروعٌ له اكتسبه بفضلِ «الميثاق الملليّ».

ففي الثامن من آب2011، قال أردوغان، وكان رئيساً للوزراء آنذاك: «سورية ليست مسألة خارجيّة بل نراها شأناً داخليّاً تركيّاً». وفي الحادي عشر من كانون الثاني 2018، وبالتزامن مع التحضير لانطلاق عملية «غصن الزيتون» العسكريّة ضد أهلنا في الشمال السوري، صرّح أردوغان من داخل المجمع الرئاسي بأنقرة، بأنّ «شمال سورية كانت ضمن حدود الميثاق الملّلي، ولن نسمح بقيام كيان إرهابيّ هناك». ولتكريس مطامعها في أرض الشمال السوري قامت سلطات الاحتلال التركي بتهجير سكان المنطقة وتوطين الموالين لها. كما فرضت اللغة والعملة التركية في المناطق التي تحتلها وغيرت أسماء القرى والساحات والمرافق العامة من العربية والكردية إلى التركية. وفي كانون الثاني 2019 برر أردوغان منح الجنسيّة التركيّة لأكثر من 76 ألف لاجئ سوريّ في تركيا بأنهم من مناطق الميثاق المللي. وقد ضمّنت السلطات التركية المنهاج المدرسيّ التركيّ، خريطة لـ «تركيا الجديدة» تضم أجزاء من محافظات إدلب وحلب والحسكة، كما تضم منطقتي «كركوك والموصل»، من العراق. كما جاء في كتاب التربية الوطنيّة التركيّة، أن «الجيشَ التركي يجاهد في سبيل تحرير أراضي الوطنِ من المغتصب السوريّ»!

صدق من قال: عدو جدك لا يودك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى