المقالات

الإسلاموفوبيا.. عندما تفضح أوروبا حضارتها

نجم الدين نجيب

لا يبدو ان اليمين العنصري المتطرف في اوروبا، ينوي التوقف عن بث الكراهية ضد العرب المسلمين، عبر استخدام خطاب في غاية الخسة والانحطاط، يتناقض كليا مع مزاعم الغرب حول الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وقبل كل هذا وذاك مع العقل والمنطق، الذي يدعي الغرب انهما يشكلان الاساس الذي قامت عليه حضارته.

▪️يوم امس الثلاثاء خرج علينا عضو مجلس النواب الهولندي رئيس حزب “من أجل الحرية” اليميني المتطرف والمعادي للإسلام والمهاجرين خيرت فيلدرز، بمقطع فيديو عبر تويتر يظهر فيه أداء عشرات المسلمين الصلاة داخل مسجد وخارجه بمدينة لاهاي في هولندا، وأرفق فيلدرز مقطع الفيديو بتعليق قال فيه: “هذه هولندا في عام 2023. مسجد السُّنة في لاهاي، شوارعنا مليئة بالمصلين المسلمين. هولندا لم تعد هولندا”.

▪️المعروف ان هذه ليست المرة الأولى التي يحرض فيها فيلدرز على المسلمين، إذ عرف ببث رسائل الكراهية ضدهم منذ سنوات، في سعيه لطردهم من البلاد، فقد تعهد حزبه في عام 2021، في برنامجه الانتخابي للأعوام 2021-2025، بإنشاء “وزارة التطهير من الإسلام”، كما تعهد بتعريف الدين الإسلامي على أنه “أيديولوجية شمولية”، وكذلك حظر المساجد والمدارس الإسلامية ومنع انتشار الفكر الإسلامي عن طريق القرآن الكريم.

▪️ان ما يقوم به فيلدرز، لا يمكن حصره بشخصه او حزبه المتطرف العنصري، كما ان ما يقوم به من اعمال وممارسات لبث الاحقاد والكراهية ضد العرب والمسلمين، تلقى تأييدا واضحا من قبل الحكومة الهولندية، التي تسمح، شأنها شأن الحكومات الاوروبية بجرائم الكراهية ضد المسلمين من خلال إضفاء الشرعية على “الإسلاموفوبيا”، وإدخال قوانين تحظر أو تحد من ممارسات المسلمين الدينية.

▪️يرى العديد من المراقبين، إن تطبيق أنواع مختلفة من القوانين، التي تسنها الحكومات الاوروبية، مثل حظر الأذان والمساجد والحجاب، أصبح أمرا طبيعيا في أوروبا، هي التي تشرعن ظاهرة الاسلاموفوبيا في اغلب الدول الاوروبية، فالنخب السياسية والإعلامية والثقافية، في هذه الدول هي التي تساهم في خلق مثل هذه الظاهرة، التي يسودها الشك والريبة حول المسلمين ومؤسساتهم ومساجدهم وحياتهم الدينية، حتى باتت هذه الظاهرة مقبولة من الشعوب الاوروبية ذاتها.

▪️اللافت ان الحكومات الاوروبية ترفض الاعتراف بوجود ظاهرة الإسلاموفوبيا، وهذا الرفض ليس نابعا من الجهل، بل على العكس تماما، فهذه الحكومات تعلم بحقيقة وجود هذه الظاهرة، الا انها ترفض استخدام مصطلح الإسلاموفوبيا، في خطاباتها، فعدم استخدامها هذا المصطلح يعني انها لا تعترف سياسيا به، وبذلك تشرعن وتدعم كل الممارسات العنصرية، كممارسات المدعو فيلدرز ومن على شاكلته، ضد العرب والمسلمين في اوروبا.

▪️تسامح الحكومات الاوروبية، مع الحركات والمنظمات والاحزاب العنصرية، وافساح المجال لها ببث الكراهية في المجتمعات الاوروبية ضد المسلمين، ساهم في توفير الارضية امام المتطرفين للاعتداء على المسلمين دون ادنى خوف من عقاب، فقد كشفت تنسيقية محاربة الإسلاموفوبيا في أوروبا عن أرقام صادمة في تقريرها السنوي الذي يتعلق بانتشار ظاهرة كراهية الإسلام في مختلف الدول الأوروبية عامة وفرنسا خاصة، رغم ان الأرقام التي عرضتها لا تعكس حقيقة الواقع الذي يعيشه المسلمون في دول أوروبا مع وجود هوة كبيرة بين التقارير الرسمية وموجات الإسلاموفوبيا التي أخذت في الارتفاع على نحو كبير في عام 2022.

▪️سجلت التنسيقية 467 حادثة تتعلق بالعنصرية، و128 حادثة تتعلق بالكراهية والاستفزاز، و71 حادثة تتعلق بالإهانات، و59 حادثة تتعلق بالتحرش الأخلاقي، و44 حادثة تتعلق بالتشهير، و27 حادثة لها صلة بالاعتداءات الجسدية، و33 حادثة مرتبطة بقانون مكافحة الانفصالية.

▪️ان الحرب الروسية الاوكرانية، كشفت وبشكل لا لبس فيه، ان سبب كراهية المسلمين في اوروبا، لايرتبط من قريب او بعيد بالاوضاع الاقتصادية في اوروبا، او ان المسلمين ينافسون الاوروبيين على سوق العمل، فقد انهار فجأة هذا الجدل القديم حول اللاجئين القائل إن أوروبا ممتلئة ولا يمكنها استيعاب مزيد منهم، بعد ان اعلنت بولندا انها مستعدة لقبول ملايين اللاجئين الاوكرانيين، وألمانيا أيضا اعلنت استعدادها لإيواء ملايين الأشخاص القادمين من اوكرانيا ، وهو ما بين بشكل واضح، ان كل ذلك الخطاب التحريضي ضد المسلمين، سببه دينهم ولون بشرتهم فقط، وبذلك فضح الاوروبيون حضارتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى