مقالات

قواعد الإنسانية والقضية الفلسطينية

أحلام بيضون

تتسابق الدول اليوم ومن بينها تلك التي هدرت دم الفلسطينين في السابع من شهر اكتوبر، لتظهر حميتها الإنسانية، من خلال الكلام عن ضرورة المساعدات الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة. وفي هذا الخصوص لدينا ما نقوله على المستند القانوني والإنساني.أولا ، لا أحد يتنكر للإنسانية، فالإنسانية توأم العدالة، لذلك حين تستعصي العدالة يتم اللجوء إلى الإنسانية. في القانون الدولي هناك قواعد واضحة، على رأسها حظر العدوان واللجوء غير الشرعي إلى القوة، وحق الشعوب بتقرير المصير والاستقلال، والدفاع الشرعي عن النفس الفردي والجماعي، وحماية حقوق الانسان، خاصة إبان الحروب. هذه القواعد التي ذكرتها كلها ذات قوة ملزمة وآمرة، ومخالفتها تشكل جرئم دولية يعاقب عليها القانون. ولقد تم تكريس القواعد التي تحمي الانسان والمدنيين وبعض الهيئات الصحية والمدنية على وجه الخصوص في اتفاقيات جنيف، خاصة الاتفاقية الرابعة. واتفاقيات جنيف ملزمة، حتى لو لم تكن دولة ما قد انضمت إليها، فهي تشكل قواعد آمرة تجمع بين صفة القاعدة العرفية والصفة الاتفاقية. وبالتالي، فالتقيد بها أمر ملزم مفروغ منه. شكلت الاعتداءات الفظيعة والمتمادية على غزة انتهاكا واضخا جارحا ومهينا لكرامة الإنسان، ليس في غزة فحسب بل بالنسبة لأي إنسان لا زال يتمتع بإحساس وضمير.. لذلك، فإن مطالبة العدو الصهيوني بالتقيد بالقانون الإنساني لا يكفي بل يجب فرضه عليه فرضا، وذلك من خلال إلزامه بوقف أعماله العدائية فورا، فإذا لم يمتثل بالطرق الدبلوماسية ، يتم اللحوء إلى الطرق الردعية التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة، والتي وردت تحت عنوان الدفاع الشرعي الجماعي عن النفس. غير أن هذا الأمر مستبعد ما دامت ثلاثة من الدول دائمة العضوية متواطئة مع العدو، بل مشتركة معه، وقد عبرت عن ذلك صراحة، من قبل ممثليها الرسميين الأرفع، لقد تم ذلك على لسان الرئيس الأمريكي، حين برر الحرب على غزة، كذلك كان حال الرئيس الفرنسي، وكذلك رئيس وزراء بريطانيا. وبالتالي هذه الدول الثلاث، بالإضافة اإلى أي حكومة أخرى اتخذت مواقف مماثلة، تعتبر مشتركة في العدوان الجائر على غزة، وفي كل الجرائم التي تعتبر انتهاكا للقانون الإنساني، وتتحمل المسؤولية، ويجب محاسبتها أمام المحاكم الجنائية الدولية والوطنية. ثانيا، تم ويتم تحويل قضية الشعب الفلسطيني من قضية تحرر وتقرير مصير إلى تدابير إنسانية، بعد أن حولت أكثريته إلى لاجئين خارج وداخل بلادهم، وفرض عليهم عدو غاشم حصارا طال أمده، طوره منذ السابع من أكتوبر بمنع مقومات الحياة الأساسية عنه، ومحاولة تهجيره بالقوة إلى خارج الحدود . الشعب الفلسطيني الذي احتل وطنه بشكل رسمي، منذ العام ١٩٤٨، من قبل عناصر أجنبية يهودية، بتنظيم وتدبير من منظمة صهيونية عنصرية، وبتواطء من أنظمة غربية استعمارية، لا تزال حاضرة ومتخذة نفس الموقف اليوم، رغم معرفتها بالظلم الذي ألحقته بالشعر الفلسطيني، من خلال منعه من تقرير مصيره، والسماح بسرقة بلاده وممتلكاته من قبل أجانب، وتحويله إلى لاجئين وعمال لدى المستعمر، وتعريضه بشكل يومي للتنكيل والقتل والاعتقال وتدمير المنازل والمنشآت، في محاولات يائسة من قبل العدو الصهيوني ومن يقف وراءه للقضاء نهائيا على آمال ذلك الشعب في استعادة حقوقه، مستخدمين أسلوب العصابات الأوروبية، خاصة تلك التي قضت بشكل شبه نهائي على سكان أمريكا واستراليا الأصليين، واستولت على بلادهم، وحلت محلهم. ثالثا، رغم أهمية أن تتم حماية الشعب الفلسطيني أينما مان، خاصة في الضفة الغربيو والقدس، وعلى الأخص في قطاع غزة اليوم حيث يتعرض لأبشع أنواع الإجرام، فإنه من الأهمية بمكان التنبيه إلى التزوير والتمثيل الذي تلعبه الدول الداعمة للكيان الصهيوني في وجوده في منطقتنا، وفي استمراره وفي عدوانه وفي إجرامه، ويتنثل ذلك في غض البصر عن أساس المشكلة والمتمثلة في كون الشعب الفلسطيني هو الأساس في فلسطين، وأنه يجب تمكينه من استعادة وطنه وحقوقه كاملة، والتعويض عليه، لقاء ما تعرض له من ظلم طيلة خمس وسبعون سنة، من عمر احتلال أجنبي ، ديني، عنصري همجي. شبهته الامم المتحدة في قرارها ٣٣٧٩/١٩٧٥, بأنه شكل من أشكال العنصرية، وبالتالي فإن الغطاء الذي يتلبسه، فيدعي حينا بأنه تعرض للهولوكوست، وأحيانا، للتمييز ضد السامية، بعد أن ادعها لنفسه زورا، كما عادته في ادعاء أن حقوق الغير وأملاكهم وتراثهم يعود إليه. هو غطاء واه ومزور، وأما حقيقة العدو الصهيوني فهي أنه من بقايا النازية، وأقولها دون حرج، وان يكن من بقايا الهولوكوست فإن ثأره ليس عندنا، ولسنا نحن كشعوب عربية، وعلى الأخص الشعب الفلسطيني، من أقام محارقه . بل ربما هي الأنظمة التي ساعدته على الانزراع هنا، ولا زالت تدعم وجوده وعدوانه، وما يساعدنا على قول ذلك أن من أرخ للحرب العالمية الأولى والثانية هي الدول المنتصرة، وهي ذاتها التي تدعم العدوان الصهيوني اليوم وبكل وقاحة

أحلام بيضون

بيروت في ٤/١١/٢٠٢٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى