بلد من دون دولة… (سفير الشمال:غسان ريفي)
يتعامل اللبنانيون مع دولتهم، كما يتعامل الأبناء مع والدهم العجوز الذي فقد هيبته، ولم يعد باستطاعته أن يقدم لهم شيئا، كونه لا حول له ولا قوة، فالدولة بنظر شعبها بدأت تشيخ، ولم تعد قادرة على تلبية متطلباته وحاجاته وطموحاته، ما يجعل الهوة تتسع بينهما، وتنعدم الثقة بشكل كامل، ويغني كل منهما على ليلاه.
لا شك في أن الشعب اللبناني يشعر بأنه متروك من دون أب ولا راع مسؤول عنه، وأن عليه أن يواجه مصيره بنفسه، وأن يتعامل مع أزمة الدولار وفقدانه من الأسواق وإرتفاع سعره من دون حسيب أو رقيب، ومع أزمة البنزين الناتجة عن خلافات الشركات مع أصحاب المحطات بسبب الدولار، ومع أزمة الخبز التي قد يخلفها توقف تزويد الأفران بمادة المازوت، ومع أزمة الكهرباء التي يزداد التقنين فيها بشكل عشوائي، ومع أزمة النفايات التي ما تزال حلولها في علم الغيب، ومع أزمة الهدر المستمر، والفساد المستشري، والسرقات الموصوفة، والسمسرات الواضحة، والبطالة المقنعة، والفقر المتوحش الذي يتمدد أفقيا من دون أن يجد من يوقفه.
هذا الواقع المزري يجعل اللبنانيين في حالة إنعدام وزن، وخوف كبير على الحاضر وعلى المستقبل، لا سيما في ظل الشائعات التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي وتتحكم بالشارع وبحركة المواطنين وترفع من وتيرة القلق الى درجة الجنون، حيث بات هذا الخوف ينتج أزمات وهمية غير موجودة، فتزدحم السيارات أمام محطات الوقود عند كل حديث عن إضراب، ويسارع المواطنون الى الأفران لشراء ما أمكن من الخبز، والى محلات المواد الغذائية للتموين خوفا من فقدان بعض السلع، وكأن الحرب على الأبواب أو أن البلد قد إنهار تماما، والدولة فيه قد سقطت تماما.
كل ذلك مرده الى أن اللبنانيين فقدوا ثقتهم تماما بدولتهم التي بدورها غائبة عن السمع الى درجة التخلي عن أبسط مسؤولياتها في إيجاد الحلول أو على الأقل تطمين اللبنانيين الى حاضرهم وملاحقة كل من يحاول أن يعبث بالأمن الاجتماعي للبلد والذي يشكل خطرا أكبر من الفلتان الأمني كونه يطال كل اللبنانيين بمختلف مناطقهم وفئاتهم وطوائفهم ومذاهبهم.
كثيرة هي الأسئلة التي تجول في خاطر اللبنانيين، لجهة: هل هكذا يكون العهد القوي؟، وهل جاء هذا العهد ليحقق التغيير والاصلاح أم ليضاعف من أزمات المواطنين ماليا وإقتصاديا وإجتماعيا؟، ولماذا لا يخرج رئيس الجمهورية الى العلن ويسمي الأشياء بأسمائها ويوقف مهزلة فقدان الدولار والتلاعب بسعره؟ ولماذا لا تتدخل وزيرة الطاقة وتجبر كل المعنيين بالمحروقات على التعامل بالليرة اللبنانية لانهاء هذه الأزمة بالكامل؟، ثم أين الحكومة من معالجة قضايا الناس اليومية؟، وهل هذه الدولة موجودة أم لا؟..
في الشكل ربما تكون الدولة موجودة، أما في الممارسة والمضمون فالأمر يختلف، فدولة يصطف نوابها طائفيا لتحقيق مكاسب إنتخابية عبر مشاريع لمناطقهم ترهق خزينتها وتضرب كل الاصلاحات التي يطلبها المجتمع الدولي، ودولة يطالب فيها حزب سياسي بترسيم الحدود بين منطقتين لبنانيتين، ودولة لا تتعامل مؤسساتها بعملتها الوطنية وتجبر أبناءها على التعامل بالدولار الأميركي، ودولة غير قادرة على تأمين أبسط مقومات الحياة لمواطنيها، ودولة لا تمتلك القدرة على فرض القوانين إلا على الفقراء والمساكين، هي دولة قاصرة وضعيفة، الأمر الذي يجعل العهد القوي على المحك، فإما أن يسارع مع كل المعنيين الى الانقاذ السريع، وإلا فإن الآتي أعظم..