المصرف يخدعنا! (عبدالله قمح)
لم يجد المصرف المركزي أمامه، عبر مصادره طبعًا، سوى “الغرباء” لالصاق أزمة الدولار بهم، عجبًا! استفاقَ “رُعاة المال” متأخرين ليكتشفوا أنّ في لبنان جاليات عربية تستفيد من خدمات “الدولَرة”، كأنّ هؤلاء قدِموا إلى لبنان منذ يومين أو ثلاثة!من بين الموجودين، وجد المصرف بالسوريين طعمًا مناسبًا! هم جيّدون، بإمكاننا إلباسهم كلّ شيء في لبنان، الجماعة تدحرجوا على سلّم المصائب فأصبحوا مهيّئين لشتّى أصناف الاتهام، ثم أنّ العقل اللبناني مدبلجٌ على تقبّلِ إتهامِ كلّ من هو سوري بمصيبةٍ ما حتى ولو كانت في الصين، ويصدِّقها! أصلاً هؤلاء بمقدورهم هضم شتّى أزمات البلد، أساسًا هم هضموا كلّ شي!وعلى قاعدة “وجدتها”، قفزَ “الرسّام” عن كرسيه ليجِد المخرج بضخ رُزم خِداع في السوق اللبناني، تُخفي معالم الأزمة الحقيقيّة وتحريفها وتزييفها وتنقلها إلى جهةٍ محدّدةٍ بمقدورها استجلاب العداء بوصفها احدى اسباب كلّ الويلات التي تعصِف بلبنان ما دام أنّ وعي المواطن اللبناني تمّ التلاعب به منذ زمن وأصبح مسيرًا.المهمّ، وجدت “لجنة الضمّ والفرز” في “المركزي” فائدة من تسويق الادعاء نحو “مجهول” بتهمةِ تهريب السيولة لمصلحة النظام السوري، أيّ أنّ أزمة شحّ الدولار التي يُعاني منها السوق يقف خلفها “سوريّون وغيرهم” يستخدمون آلات الصرافة الآلية لاستبدال الليرة بالدولار وضخّه إلى سوريا كسيولةٍ تفيد النظام، وهذا يتمّ من خلال شبكاتٍ “محترفةٍ” لا نعلم لماذا حضرت الآن، أي في فترةِ راحةِ النظام لا أزماته!فهل يعقل أنّ بضع مئات من الدولارات ستنقذ سوريا بعد 9 أعوام على الحرب؟ وإن صحّ ذلك، لماذا إكتشف المصرف قنبلته الآن وليس بالأمس؟ هل حصلت عمليات مشابهة في الماضي؟ إذا كان الجواب نعم، هاتوا دليلكم!قضيّتنا اعلاه، ليست دفاعًا عن أحدٍ، لا عن السوري ولا الفلسطيني ولا الصومالي ولا غيرهم مع إحترامنا للجميع، القضيّة أنّ التلاعب بعقلِ المواطن اللبناني وخداعه عبر مجموعة تُرّهات يكتبها صحفيّون من أصحابِ المنافعِ لم تعد تنطلي على أحدٍ. كان بوسع المصرف مصارحتنا بالحقائقِ العائمةِ على وجه الماء من دون الحاجة إلى إخفائها وارغامنا على تصديق أنّ ما يسبح على سطح الماء فيلة وليس سمكًا!كان بوسع المصرف، تبرير أسباب الارتفاع المستمرّ في سعر صرف الليرة من دون ملاحظتنا أي تدخل جدي منه، بعدما لامس السعر الخميس، 1635 مقابل الدولار الواحد، علمًا، أنّ الاجراءات التي اتخذها مصرف لبنان ومنها التعميم بوقفِ السحوبات بالدولار بإستخدام الصرافات الالية ATM وكونتوارات المصارف بوصفهما أسبابًا أصبحت سارية المفعول.ما يزيد الشكوك حول قيام القائمين على العملة بإخفاءِ أسباب الازمة، أو محاولة التعتيم عليها، نبات شكوك حول إمكان أن تكون مفتعلة لأسبابٍ ما، مالية الطابع طبعًا، تفيد المصارف لا تضرّها.ومن الدلالات البالغة الاهمية التي تعطي صورة عن التخبّط الحاصل وتحمل شتى أنواع التأويلات، أنّ عددًا كبيرًا من المصارف يلجأ إلى اعتمادِ سعرِ صرف السوق لا سعر صرف الدولة خلال تعاملاته، اي تلجأ المصارف إلى قبضِ مستحقاتها من المواطنين بالليرة اللبنانية في حال كانت مستحقاتهم بالدولار وليس لديهم منه، وفق سعر الصرف في السوق، أي المرتفع، لا سعر المصرف المحدد بـ1507.فى المقابل، ترفض الموافقة على سحوباتٍ لزبون يملك حسابًا بالدولار، بل تفرض عليه الموافقة على سحوبات بالليرة فقط، يتبيّن بعد حصولها انها تُحتَسَب وفق سعر صرف الدولة لا سعر صرف السوق كما هو حال القبض بالليرة مقابل العملة الصعبة! فلماذا؟القضية الجارية حاليًا، تفتح الأبواب على تكهّنات وظنون متعدّدة بدأت تسبح في فضاءات سياسية ومالية، مع شكوكٍ تحوم حول وجود ترتيبٍ ما، مقصود، من وراء تجاهل أي تدابير لوقف التلاعب بسعر الصرف، أو حتى الاعتراف بوجود مثل هذا التلاعب الذي أضحت مفاعيله امرًا واقعًا.بعض المخضرمين، عثروا على رواسبٍ دلّت إلى احتمال تبلور مسعى لتوفير اجواء ملائمة لتحرير سعر صرف الليرة، على نحو يرفع قيمة صرفها من 1507 ليرة إلى ما يناهز الـ1700 ليرة، وهذا الكلام لم يعد محظورًا أو سريًّا محرّم الهمس به إلّا في حضرة المعنيين، بل أنّ اكثر من لسانٍ يتداول معلومات من هذا النوع، فهل صحيح أنّ تغطية تمرير ارتفاع سعر الصرف في السوق، يعد مقدمة إلى تبرير حاجة السوق والدولة الى رفع مستوى الصرف الثابت على حاله منذ أكثر من 25 عامًا؟ البعض يجيب بـ”نعم” حذرة، والاسباب تعود الى التقلّبات في مزاجِ الاقتصادِ وموازينهِ، التي باتت تحتاج إلى تبدّلاتٍ جذريةٍ في الفكر الاقتصادي العميق وحاجة السوق، وهذا كله لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال افتعال أزمة واحداث دوي هائل في السوق، على شكل تلاعبٍ بسعر الصرف يتيح بعد ذلك لاحقًا فتح أجواء نقاش احتمالات رفعه.المطلوب اليوم، الكف عن استعمال “فنون المواربة” واللجوء الى قول الحقائق لا ابتداع اسباب “ملتوية”.