مقالات

حذف الأصفار من الليرة السّوريّة هل تجميل رقمي أم إصلاح اقتصادي جذري ؟

الزّاوية الإسبوعيّة الاقتصاديّة
بقلم : أحمد غريب القد

في زمنٍ تتسابق فيه الأزمات على الاقتصاد السوري يبرز مقترح حذف الأصفار من العملة الوطنية كخطوة جريئة تحمّل في طيّاتها أكثر من مجرّد تبسيط رقمي إنّها لحظة مفصليّة تختبر فيها الدولة قدرتها على تحويل الإجراء النقدي إلى مدخل لإصلاح اقتصادي شامل يعيد الاعتبار لليرة ويمنح المواطن نافذة أمل في واقع مثقّل بالتضخّم والتراجع الإنتاجي

الإيجابيّات التي تحمّلها هذه الخطوة لا يمكن إنكارها فهي تسهم في تبسيط المعاملات اليوميّة وتقلّل من الأخطاء المحاسبيّة وتمنح صورة أكثر اتّزانا للعملة الوطنيّة في الداخل والخارج كما أنّها تهيّئ الأرضيّة النفسيّة والاجتماعيّة لإعادة بناء الثقة وهي عنصر لا يقلّ أهميّة عن الأرقام في عالم الاقتصاد

لكنّ الأهم من ذلك أنّ حذف الأصفار يمكن أن يكون إشارة سياسيّة واقتصاديّة على نيّة الإصلاح إذا ما اقترن بإجراءات حقيقيّة لضبط التضخّم وتحفيز الإنتاج وتحديث المؤسّسات المالي يعلّمنا أنّ الشكل وحده لا يصنع القيمة وأنّ النجاح لا يُقاس بعدد الأصفار المحذوفة بل بمدى قدرة الدولة على تحويل هذه الخطوة إلى بداية لمسار إصلاحي متكامل

فما معنى حذف الأصفار ؟

حذف الأصفار هو إجراء نقدي تلجأ إليه الدول التي تعاني من تضخّم مفرط ويقضي بإعادة تقييم العملة عبر إزالة عدد من الأصفار من فئاتها النقديّة فتصبح الورقة من فئة عشرة آلاف ليرة مثلا تساوي عشر ليرات جديدة الهدف الظاهري هو تبسيط العمليّات الحسابيّة وتسهيل التداول وتحسين صورة العملة في الداخل والخارج

لكنّ هذا الإجراء رغم بساطته التقنيّة لا يمسّ القيمة الفعليّة للعملة ولا يعالج الأسباب البنيويّة التي أدّت إلى تدهورها

و التأثير الاقتصادي بين التجميل والإصلاح

رغم أنّ حذف الأصفار قد يعطي انطباعا أوليّا

بالتحسّن إلا أنّ أثره الحقيقي يظلّ مرهونا بسياق اقتصادي أوسع فبدون ضبط التضخّم عبر سياسات نقديّة صارمة ستعود الأصفار سريعا إلى الواجهة كما أنّ الاقتصاد لا يُبنى على الورق بل على مصانع ومزارع ومشاريع حقيقية ما يجعل إعادة الاعتبار للإنتاج المحلّي حجر الأساس لأيّ إصلاح نقدي

ولا يمكن بناء ثقة في العملة دون مؤسّسات مصرفيّة مستقلّة وشفّافة قادرة على إدارة السياسة النقديّة بعيداً عن الاعتبارات السياسيّة أمّا المستثمر فهو لا ينظر إلى عدد الأصفار بل إلى الاستقرار والشفّافيّة والقدرة على التنبّؤ حذف الأصفار دون إصلاح بيئة الاستثمار هو كمن يطلي جدارا متصدّعا دون ترميمه

و التأثير على الفرد والمجتمع

من منظور المواطن قد يبدو حذف الأصفار خطوة إيجابيّة تسهم في تسهيل التعاملات اليوميّة وتقليل الأخطاء الحسابيّة وتحسين صورة العملة في الوعي الجمعي خاصّة لدى الأجيال الجديدة كما أنّه يخلق شعورًا نفسيّا بالتحسّن ولو مؤقّتا

لكنّ هذا التحسّن سرعان ما يتلاشى إذا لم يرافقه تحسّن فعلي في الأسعار الرواتب والخدمات فالمواطن لا يتعامل مع الأرقام المجرّدة بل مع القيمة الحقيقيّة لما يستطيع شراؤه

التأثير على الاستثمار والثقة الدوليّة

في عالم المال الثقة هي العملة الحقيقيّة حذف الأصفار قد يُنظر إليه دوليّا كإشارة على نيّة الإصلاح لكنّه لا يكفي لجذب الاستثمارات ما لم يُرفق بخطوات ملموسة من بينها تحديث التشريعات الاقتصاديّة مكافحة الفساد المالي والإداري ضمان استقلاليّة القضاء والمؤسّسات الرقابيّة والانفتاح على الشراكات الدوليّة بشروط عادلة
فالتجارب الدّوليّة دروس في النجاح والفشل

أما التجربة التركيّة عام 2005 تُعدّ من أبرز النماذج الناجحة حيث قامت أنقرة بحذف ستّة أصفار من عملتها لكنّها لم تكتفِ بذلك بل أطلقت برنامجًا إصلاحيّا شاملا شمّل ضبط التضخّم تعزيز الإنتاج وتحديث البنية التحتيّة النتيجة كانت تحسّنا ملموسا في قيمة الليرة وثقة المستثمرين

في المقابل فشلت زيمبابوي في تحقيق أيّ تحسّن رغم حذفها المتكرّر للأصفار لأنّها اكتفت بإجراءات شكليّة دون معالجة الأسباب البنيويّة للأزمة ما أدّى إلى فقدان الثقة وانهيار العملة واللجوء إلى الدولار الأمريكي كعملة بديلة

أمّا فنزويلا فقد حذفت خمسة أصفار من عملتها عام 2018 دون أن ترافق ذلك إصلاحات اقتصاديّة حقيقيّة ما أدّى إلى استمرار الأزمة النقديّة وتفاقمها

فحذف الأصفار من الليرة السوريّة قد يكون خطوة أولى في طريق طويل لكنّه لا يُغني عن المعركة الحقيقيّة معركة التضخّم الإنتاج والمؤسّسات بدون إصلاح اقتصادي شامل ستبقى الأصفار مجرّد ديكور رقمي يعود كلّما غابت الإرادة السياسيّة والشفّافيّة الاقتصاديّة

أمّا إذا اقترنت هذه الخطوة بإصلاحات جذريّة فقد تكون بداية استعادة الليرة لعافيتها واستعادة المواطن لثقته والمستثمر لأمله

عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى