ملائكة بلا رحمة!
ما من جهة حكومية تريد إنصاف قطاع التمريض في سورية، ولا نبالغ بالقول: إن كل الجهات المعنية بهذا القطاع تتعامل مع “ملائكة الرحمة” بلا رحمة!.
ومع أن القطاع الصحي بشقيه العام والخاص لايمكنه العمل بلا ممرضات، فإن القائمين عليه لايسددون الأجر والتعويضات التي تناسب مهام الممرضات الملقبات في كل دول العالم بـ “ملائكة الرحمة”، لأنهم الملاذ الوحيد تقريباً لنزلاء المشافي، فالمرضى يتعايشون معهم على مدار الساعة، وتحديداً بعد العمل الجراحي.
وإذا كانت الحكومة أقرت طبيعة العمل لشرائح مختلفة من العاملين في مشافيها بنسبة مختلفة تصل في بعضها إلى 100 %، فهل توجد شريحة تعمل في ظروف صعبة جداً كـ “ملائكة الرحمة” تعلو الابتسامة على وجهها دائماً، لاتستحق تعويض يتجاوز نسب الـ 100 %؟.
ولا نتوقع أن وزارة الصحة ستعارض منح “ملائكة الرحمة” التعويض المناسب أسوة بشرائح أخرى تتقاضاه منذ سنوات، لكن ليست الوزارة صاحبة القرار، فهي تقترح فقط، فالقرار النهائي يعود إلى وزارة المالية، وهي لم تقتنع حتى الآن رغم المطالبات والمذكرات العديدة بأحقية ومشروعية منح طبيعة العمل بنسبة لاتقل عن 100 % لقطاع التمريض، والسؤال يبقى بلا إجابة: لماذا؟.
ولا ندري لماذا أقرت وزارة المالية منح طبيعة العمل 100 % للأطباء المقيمين وحجبته عن قطاع التمريض، وهو تمايز غير منطقي ويفتقر للحد الأدنى من العدالة الإنسانية.
كما يتجسد إهمال الجهات الحكومية لقطاع التمريض برفض تطبيق المرسوم التشريعي رقم /38/ لعام 2012 الخاص بنقابة التمريض السورية، ترى ألا تكفي 12 سنة كي تقوم وزارة الصحة بالتنسيق مع الجهات الأخرى بتفعيل هذه النقابة، بدلاً من استمرار مجلس إدارة التمريض الذي يعمل بصفة “المؤقت”، بل إلى متى سيبقى المرسوم التشريعي /38/ حبيس الأدراج وكأنه لم يصدر أساساً؟!.
ولكي نكون منصفين، فإن الجهات الحكومية لم تُجمّد قانون إحداث نقابة للتمريض منذ عام 2012 فقط، فقد جمّدت أيضاً قانون الأعمال المجهدة رقم 346 لعام 2006 الذي نص على (السنة بسنة ونصف).
وللإنصاف أيضاً فإن إهمال القطاع الصحي لايقتصر على “ملائكة الرحمة” بل يشمل كل العاملين فيه، بدليل دفعهم إلى الهجرة خارج البلاد إلى حد أصبح القطاع يعاني من نقص في الخبرات، كأطباء التخدير، وبالتالي فإننا مع تزايد هجرة العاملين في قطاع التمريض ستختفي تدريجياً “ملائكة الرحمة” من المشافي الحكومية، بل إن بعضها بدأ يعاني من توفرها منذ أشهر.
والسؤال: هل يمكن للمشافي والمراكز الصحية تقديم الخدمات لمرضاها ومراجعيها بمستويات جيدة بلا عمودها الفقري“ملائكة الرحمة”؟.
وحسب تقرير يعود للعام الماضي فقد هاجر واستقال 35000 ممرضة وممرض من أصحاب الكفاءات خلال السنوات الخمس الأخيرة (قطاع عام وخاص)، ومن الطبيعي أن يؤدي هذا النقص إلى تداعيات سلبية على القطاع الصحي كانخفاض العناية التمريضية بسبب ضغط العمل الناتج عن نقص في اليد العاملة
لايكفي الإقرار بأن قطاع التمريض يُشكل 50 % تقريباً من نسبة الكوادر الصحية الأخرى، بل يجب أن يُترجم هذا الإقرار بمنح العاملين فيه حقوقهم كاملة مقابل مايقدمونه من تضحيات وخدمات وأعمال مجهدة ومتعبة وباعتبارهم الفئة الأكثر عرضة للأخطار المهنية لأنهم الأكثر احتكاكاً بالمرضى، وفي مواجهة مباشرة ومتواصلة ودائمة مع الأمراض المعدية والفتاكة مثلما كان حالهم مع تفشي وباء كورونا.
ومن المستغرب أن سورية التي تتباهى بقطاعها الصحي العام والخاص لاترحم “ملائكة الرحمة” حيث لاطبيعة عمل، ولا حوافز، ولا تمثيل نقابياً فاعلاً، على الرغم من كون الجهاز التمريضي هو عصب و“دينمو” المشافي.
هل يُعقل في ظل الظروف المعيشية أن تبقى نسبة طبيعة العمل لكوادر التمريض تتراوح بين 3 % ـ 10 % فقط، في حين ترفعها وزارة الصحة إلى 100% من الأجر الشهري المقطوع بتاريخ أداء العمل للأطباء البشريين العاملين أو المتعاقدين والمخدرين والمعالجيين والأشعة والأطراف الصناعية ومشافي الأورام والصيادلة في المشافي والمراكز الصحية التابعة لوزارات الداخلية والدفاع والتعليم العالي والبحث العلمي والصحة.
الخلاصة: تفاءل الكادر التمريضي بطلب مجلس الوزراء في شباط 2024 من وزارة الصحة إعداد دراسة لتحسين واقع العاملين في مهنة التمريض والحفاظ على الخبرات والكفاءات العاملة في هذا القطاع، والدراسة لاتزال قيد الدراسة، بل أهملتها الوزارة كلياً!.