هذا هو الاميركي الذي رتب فرار كارلوس غصن
منذ فرار رئيس شركة نيسان ورينو السابق، كارلوس غصن، من اليابان ووصوله إلى بيروت، تُطرح سيناريوهات كثيرة حول كيفية فراره من البلد المعروف بالدقة والصرامة في تطبيق القانون.
وقد انتشرت فرضيات كثيرة عن كيفية فرار غصن من اليابان، وعن الجهات أو الأطراف التي ساعدته في عملية الهروب التي تشبه الأفلام الهوليودية، بعد أن نقلت طائرة خاصة من طراز “بومباردييه” تملكها شركة طيران تركية خاصة، غصن من اليابان إلى تركيا، ومنها إلى لبنان.
بحسب تقرير أوردته صحيفة “نيويورك تايمز”، شركة إماراتية هي التي استأجرت الطائرتين التركيتين. وقالت الصحيفة إن مواطنين لبنانيين لعبوا دور الوسيط في تكليف الأميركي مايكل تايلور بعملية ترتيب فرار غصن من اليابان إلى لبنان.
ودائماً بحسب الصحيفة، التخطيط لعملية إخراج غصن من اليابان تطلب شهوراً عدة، والفريق سافر إلى اليابان أكثر من عشرين مرة، وقام بعمليات استطلاع لأكثر من عشر مطارات يابانية، إلى أن تمكن من العثور على ثغرة أمنية في مطار أوساكا يمكن استغلالها لإخراج غصن من اليابان.
في العاصمة طوكيو خرج من الشقة التي كان يُحتجز فيها رهن الإقامة الجبرية. التقى بشخصين في فندق في طوكيو واستقل الثلاثة قطاراً سريعاً إلى مدينة أوساكا. وبعد أن ارتدى غصن قناع وجه صُنع خصيصاً له وقبعة، دخل الثلاثة فندقاً قريباً من المطار، وهناك تم وضع غصن في صندوق كبير يُستخدم في نقل مكبرات الصوت العملاقة.
صُنعت ثقوب في أسفل الصندوق لمساعدة غصن على التنفس. وتقول السلطات اليابانية إنّ صور كاميرات المراقبة في الفندق تُظهر شخصين فقط يخرجان من الفندق مساءً ومعهما صندوقان كبيران.
تم نقل الصندوق الكبير إلى الطائرة دون أن يخضع للتفتيش الجمركي.
أقلعت الطائرة وحلقت لمدة 12 ساعة متواصلة عبر الأجواء الروسية، متفادية الأجواء الكورية والصينية والمنغولية والكازاخية إلى الحد الاقصى، حتى وصلت الى مطار أتاتورك في اسطنبول. وبهدف تفادي إثارة الشبهات، جرى تبديل الطائرة هناك حيث تم نقل غصن إلى طائرة أخرى تابعة للشركة التركية ذاتها التي أقلّته من اليابان، وأقلعت بعد 45 دقيقة من وصول الأولى ونقلته إلى مطار بيروت، دون أن يرافق تايلور غصن من اسطنبول إلى بيروت.
وقالت وسائل الإعلام التركية إنه تم العثور على الصندوق الذي كان يُعتقد أن غصن اختبأ فيه داخل الطائرة.
ويبلغ تايلور 59 عاماً، وهو عنصر قوات خاصة أميركية سابق، خدم في العديد من بلدان الشرق الأوسط، ودخل السجن في الولايات المتحدة بتهمة تقديم رشوة لمسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي لوقف التحقيق في عقد أبرمته وزارة الدفاع الأميركية مع شركة تايلور لتدريب القوات الخاصة الأفغانية.
لم يكمل تايلور دراسته، وترك مقاعد الدراسة بنهاية سن المراهقة، وسار على خطى زوج والدته، فالتحق بالجيش. وما لبث أن لمع نجمه وأظهر تفوقاً ملفتاً مكّنه من الانضمام إلى القوات الخاصة.
خلال مرحلة الحرب الباردة، كانت مهمة الوحدة الفائقة السرية التي خدم فيها تايلور، وهي وحدة “المتفجرات النووية الخاصة بعمليات التدمير”، تنفيذ عمليات إنزال جوي بالمظلات من ارتفاعات شاهقة خلف خطوط العدو.
مثّل عام 1982 نقطة تحول في مسرة تايلور، إذ كان ضمن المجموعة الأولى من القوات الخاصة الأميركية التي تم نشرها في لبنان في ذروة الحرب الأهلية، بهدف تقديم التدريب لـ”القوات اللبنانية”، في أعقاب اغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل، والغزو الإسرائيلي للبنان في ذات العام.
بنى تايلور علاقة قوية مع “قواتيين” في لبنان منذ ذلك الوقت، وهي مستمرة حتى الآن.
ترك تايلور الجيش الأمريكي عام 1983 بعد أربع سنوات من انضمامه إليه. وعاد إلى لبنان فيما بعد ليعمل مقاولاً أمنياً، يشرف على تدريب “القوات”. خلال تلك الفترة، تعلم تايلور اللغة العربية وتزوج من اللبنانية لمياء عبود عام 1985.
وخلال تلك الفترة أيضاً، تعرّف تايلور على اللبناني جورج أنطوان زايك، الذي كان إلى جانب تايلور على متن الطائرة التي نقلت غصن من اليابان إلى أنقرة.
عاد تايلور برفقة زوجته إلى نيويورك عام 1985. وبفضل خبرته في مجال الأمن ومعرفته بالأوضاع في لبنان، بدأ العمل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، وغيره من أجهزة الأمن الأميركية، للتصدّي لتجارة المخدرات وتزوير العملة.
عام 1988 كلفته الحكومة الأمريكية باختراق عصابات الإتجار بالمخدرات في لبنان. ونجح تايلور في الاقتراب من كبار مسؤولي عصابات المخدرات في لبنان، وفي الوصول إلى مصانع إنتاج المخدرات في وادي البقاع اللبناني، حيث كانت تنتشر حقول زراعة الحشيش تحت إشراف القوات السورية هناك.
عام 1994، بدأ تايلور العمل لحسابه الخاص في مجال الأمن، حين أسس شركة أمنية باسم “الهيئة الأمنية الأميركية الخاصة”، وأبرمت الشركة عقوداً مع جهات حكومية وخاصة لتقديم الخدمات الأمنية لها، مثل شبكة “إيه بي سي” التلفزيونية، وشبكة “فوكس”، إلى جانب تقديم الخدمات للطائرات الخاصة.
ولجأت صحيفة “نيويورك تايمز” لشركة تايلور بهدف تحرير مراسلها ديفيد رود الذي تعرض للخطف في أفغانستان.
كما قام تايلور بإنقاذ سيدة أميركية وأطفالها الثلاثة من براثن زوجها اللبناني الذي كان يسيء معاملتهم. فلجأت والدة المرأة إلى تايلور بعد فشل مقاول آخر في إخراج الأم والأبناء من سوريا، وبالفعل نقلهم من لبنان إلى سوريا سراً.
وقد ازدهرت أعمال تايلور بعد الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، إذ تولت شركته تدريب قوات “الكوماندوس” وحراسة البنية التحتية في جنوب العراق، وتقديم الحماية لفرق التحقيق في المقابر الجماعية وموظفي شركات النفط، ولجأ تايلور إلى توظيف العديد من اللبنانيين بعد أن ازدهرت أعمال شركته.
وقد حكمت محكمة أميركية على تايلور بالسجن لمدة عامين بعد إدانته بمحاولة رشوة رجل أمن في مكتب التحقيقات الفدرالي، الذي كان يحقق في عقد أبرمته وزارة الدفاع الاميركية مع تايلور لتدريب القوات الخاصة الأفغانية.
تأثرت أعمال تايلور إلى حد كبير بسبب هذه القضية وتدهورت كثيراً، إذ تراجعت عائدات الشركة إلى 600 ألف دولار فقط عام 2012. وعندما خرج تايلور من السجن عام 2015، أعادت له الحكومة مليوني دولار من المبالغ التي صادرتها من شركته.