مقالات

الرمز أقوى من البيان و حين يتكلّم الرّمز وتخرس الأقلام

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة

في زمن لم تعد فيه الكلمات تكفي ولم يعد التّصريح يقنع تتقدم الرمزية لتأخذ مكانها كأبلغ وسيلة للتعبير وأخطر أداة للتأثير إنها اللغة التي لا تقال بل تفهم وتقرأ بين السطور وتترجم في الوعي الجمعي كمعنى يتجاوز المباشر فالرمزية ليست ترفا بل ضرورة وليست زخرفة بل سلاحا ناعما في معركة الوعي

الرمزية في جوهرها هي استخدام الرمز بدلا من المعنى المباشر لتوصيل فكرة أو شعور أو موقف بطريقة غير حرفية غالبا ما تكون غامضة أو متعددة الدلالات وهي أداة تستخدم في الأدب والفن والسياسة وحتى في الحياة اليومية لأنها تفتح المجال للتأويل وتمنح النص أو الصورة عمقا إضافيا إنها اللغة التي يتقنها من يريد أن يقول كل شيء دون أن يتهم بشيء

وفي عالم تتكثف فيه الإشارات وتخفى فيه النوايا تبرز الرمزية كأداة مركزية في تشكيل الخطاب السياسي والاجتماعي لا بوصفها زخرفة بل كوسيلة للهيمنة أو المقاومة للتضليل أو التنوير إنها اللغة التي لا تقال بل تفهم وتقرأ بين السطور وتترجم في الوعي الجمعي كمعنى يتجاوز المباشر

فالرّمزيّة لغة السلطة الخفية ومفتاح التأويل الشعبي و الرّمز كبديل للقول المباشر

الرّمزيّة ليست مجرّد استعارة بل هي بنية فكرية تستخدم لتجاوز الرقابة أو لإيصال رسائل مشفرة أو لإثارة الجدل دون تصريح حين يستبدل الاسم أو يختار مكان اللقاء أو يستخدم لون معين في خلفية الصورة الرسمية فذلك ليس تفصيلا عابرا بل رسالة مشفرة تحمل دلالات سيادية أو اجتماعية أو حتى عقائدية

السياسيون لا يتحدثون فقط عبر الكلمات بل عبر الرموز تغيير كنية مسؤول أو اختيار توقيت معين لظهوره أو حتى طريقة جلوسه في اجتماع دولي قد تحمل دلالات على إعادة تعريف موقعه في السلطة أو على رسائل موجهة للداخل والخارج الرمزية هنا تتحول إلى أداة لإعادة إنتاج الشرعية أو لتحديها

في اللوحة كما في الصورة الصحفية لا يستخدم اللون عبثا الأحمر قد يعني الثورة أو الدم الأزرق قد يرمز للسلام أو للبرود والأسود قد يكون حدادا أو تمردا الفنان الحقيقي لا يرسم بل يكتب بالرمز ويترك للمشاهد مهمة التفكيك والتأويل

حتى في الحياة اليومية الرمزية تحكم سلوكنا طريقة السلام نوع اللباس اختيار الكلمات في المناسبات كلها تحمل دلالات طبقية أو ثقافية أو سياسية المجتمع يقرأ الرموز ويعيد إنتاجها ويقاومها أحيانا حين يشعر أنها لم تعد تمثله

في وجه التزييف الثقافي تصبح الرمزية أداة للمقاومة حين يعاد الاعتبار لرموز وطنية تم تشويهها أو حين يكتب نص يفكك الخطاب الرسمي ويكشف تناقضاته فذلك فعل رمزي يعيد تعريف الهوية ويمنح الكلمة قوتها الحقيقية

خلاصة القول الرمزية ليست ترفا فكريا بل هي سلاح ناعم في معركة الوعي من يفهمها يقرأ الواقع بعيون أعمق ومن يستخدمها بذكاء يصنع خطابا يتجاوز اللحظة ويؤسس لمعنى جديد وفي زمن تتكاثر فيه الأصوات وتضيع فيه الحقيقة تظل الرمزية هي اللغة التي لا تكذب وإن كانت لا تصرح

عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى