الخلايا التائية تنقذ الأرواح والضّمائر التالفة تقتلها!

بقلم محمد ضياء الدّين بديوي رئيس تحرير عكس الاتّجاه نيوز و مستشار إبداعي في الشّؤون الإعلاميّة و الرّمزيّة
ثورة علمية في مواجهة الأمراض الخبيثة ومأزق أخلاقي في أنظمة الرعاية الصحية
في عصر تتسارع فيه الاكتشافات الطبية وتفتح فيه آفاق جديدة لعلاج الأمراض المستعصية تبرز الخلايا التائية كأحد أعظم إنجازات الطب الحديث هذه الخلايا التي كانت تُعرف سابقا بدورها الدفاعي في جهاز المناعة أصبحت اليوم أداة علاجية متقدمة تعيد تعريف حدود الطب وتبشر بعصر جديد من العلاجات الشخصية الدقيقه
لكن وسط هذا التقدم العلمي
يطفو سؤال أخلاقي صارخ
هل يوظف العلم لخدمة الإنسان أم يختزل في معادلة الربح والخسارة؟
وهل يمكن أن تنقذنا الخلايا التائية من أمراضنا الجسدية بينما تظل ضمائرنا مريضة؟
الثورة العلمية ماذا يحدث في المختبرات؟
الخلايا التائية
من الدفاع إلى العلاج
الخلايا التائية (T-Cells) هي جنود جهاز المناعة قادرة على التعرف على الخلايا المصابة أو السرطانية وتدميرها
وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورات مذهلة في فهم آلياتها وتوظيفها علاجيًا أبرزها
في دراسة رائدة من جامعة ييل تم اكتشاف أن بروتينا يُدعى KLF2 يتحكم في مصير الخلايا التائية من نوع CD8.
تعطيله يؤدي إلى حالة “الإرهاق المناعي
مما يضعف قدرتها على مكافحة السرطان
هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام تعديل المسارات الجزيئية لتفادي الإرهاق وتعزيز الاستجابة المناعية طويلة الأمد.
العلاج بالخلايا التائية المعدلة وراثيًا (CAR-T) تجاوز حدود سرطانات الدم ليشمل الأورام الصلبة يجري تطوير خلايا قابلة للتبديل يمكن التحكم بها لتقليل المضاعفات وتزرع جينات انتحارية داخل الخلايا تفعّل عند الحاجة لحماية المريض من التسمم المناعي
تقنيات التحرير الجيني مثل CRISPR تستخدم لتعديل الخلايا بدقة وإعادة برمجتها لتكون أكثر مقاومة للإرهاق وأكثر قدرة على التذكر المناعي هذه التقنيات تعزز الأمان والفعالية وتبشر بعصر جديد من العلاجات الشخصية
هذة التطورات لا تقتصر على المختبرات بل تمهد الطريق لعلاجات أكثر دقةوأقل تكلفة وأكثر إنسانية
إن توفرت الإرادة فلمأزق الأخلاقي من يملك حق الحياة؟
حين يصبح العلاج سلعة
رغم هذه الثورة العلمية يبقى الإنسان في كثير من الدول ضحية نظام صحي تجاري لا يرحم يحرم الفقراء من الوصول إلى هذه العلاجات بسبب تكلفتها الباهظة تحتكر التقنيات الحديثة من قبل شركات الأدوية وتسعر الأرواح كما تسعر السلع المواطن في هذا السياق لم يعد مجرد متلقٍ للعلاج بل أصبح طرفا في معركة أخلاقية تتطلب وعيا ومطالبة بحق الوصول العادل
ومسؤولية الأطباء والعلماء
الضمير المهني في مواجهة السوق
الطبيب والعالم ليسا موظفين في شركة
بل حاملي رسالة إنسانية عليهم أن يُعيدوا تعريف النجاح العلمي بأنه عدد الأرواح التي تم إنقاذها لاعدد براءات الاختراع
يجب أن يرفضوا المشاركة في أنظمة صحية فاسدة تُقصي الفقراء وتُكرّم الأغنياء
عليهم أن يُوظفوا علمهم في خدمة العدالة الصحيةلا في خدمة السوق
ونحث هنا على دور الحكومات في دعم البحث العلمي
السياسة الصحية ليست ترفا بل واجب وطني
الحكومات تتحمل مسؤولية أخلاقية وتاريخية في ضمان وصول العلم إلى كل مواطن
يجب أن تخصص ميزانيات حقيقية للبحث العلمي وتنشئ مراكز أبحاث مستقلة عليها أن تُشجع التعاون الدولي وتبادل المعرفة وتكافح الاحتكار الدوائي بكل حزم
يجب أن تدمج البحث العلمي في السياسات الصحية بوصفه ركيزة للعدالة الاجتماعية والتنمية الوطنيةوهنا نقف لبرهة لنوضح ان
الخلايا التائية قد تنقذ حياة إنسان لكن لا يمكنها أن تنقذ ضميرا ميتا
العلم قادر على إنقاذ الأرواح لكن لا قيمة له إن لم يقترن بضمير حي وسياسات عادلة
فهل نريد أن نعيش في عالم تعالج فيه الأمراض أم تباع فيه الحياة؟
الاختيار ليس بيولوجيا بل إنسانيّاً
عكـس الاتّـجاه نيـوز
الحقيقـة الكاملـة
معــاً نصنع إعـلاماً جـديداً