كثيرون سألوني عن سبب هذا العدد الكبير من الشهداء لآل أمّهز في منطقة البقاع.
بقلم ناجي امهز
سبب سقوط هذا الكم من الشهداء من آل أمّهز يعود إلى أن غالبيتهم فقراء مساكين طيبو المعشر، قد لا يمتلكون ثمن التنقل من مكان إلى آخر من أجل الاستئجار وتأمين أقل مستلزمات الحياة اليومية، فيفضلون البقاء في قراهم ومنازلهم، ويغلقون الأبواب على أنفسهم، بانتظار أن تنتهي الحرب أو أن ينجيهم الله من هذه الآفة.
آل أمّهز غالبيتهم لم ينزحوا من قراهم ومنازلهم المتواضعة ذات الجدران المتصدعة، والتي ربما تمنع عنهم المطر وتخفف بعض موجات البرد، لكنها لا تحتمل حتى أن يقصف بالقرب منها فتنهار على من فيها، متسببة باستشهاد الكثيرين.
عندما تسمعون عن سقوط عدد من الشهداء في منزل واحد، فذلك لأنهم عندما يشتد الصقيع وتقوى موجات البرد يجتمع الكثير من أفراد العائلة الواحدة في منزل أحدهم، وهم يواسون أرواحهم ويضحكون على النكات البريئة؛ فأحلامهم وقصصهم تشبه حياتهم ومنازلهم المتواضعة.
يقول فيكتور هوغو في رواية “البؤساء”: “قتلت القسوة في نفسي كل ما هو شريف ونبيل”.
لكن، رغم كل هذا الفقر والقسوة في الحياة التي يعيشها غالبية آل أمّهز، لم تقتل فيهم النبل وعزة النفس، إضافة إلى صفات الصدق والكرم. بل إنهم غالباً فقراء لأنهم يتميزون بهذه الأخلاق الحميدة.
آل أمّهز كرامتهم عزيزة، لم يتزلموا لأحد، ولم يحملوا وزر دماء أحد، ولم يقاتلوا أو يتجنوا على أحد من أجل مصالحهم أو من أجل أي مركز في هذه الدولة.
قد يسأل البعض لماذا لم يقم أثرياء عائلة آل أمّهز بمحاولة إنقاذ أو تأمين بعض الأماكن في المناطق الآمنة لهذه العوائل.
قد يوجد بعض الأثرياء من آل أمّهز، وإن كان عددهم لا يتجاوز الواحد بالمائة من مجمل العائلة، (أنا لا أعرف أحداً منهم أبداً)، لكن كما يظهر من نمط العائلة وطريقة عيشها، فهي لم تحظَ باهتمام من هؤلاء الأثرياء.
إن النعمة عندما يُوزّع منها تظهر معالمها وملامحها.
يقول الإمام الرضا (عليه السلام): “لا يجتمع المال إلّا بخصالٍ خمسٍ: ببُخلٍ شديدٍ، وأملٍ طويلٍ، وحرصٍ غالبٍ، وقطيعةِ الرّحمِ، وإيثارِ الدّنيا على الآخرة”.
كل ما أريد قوله هو أن سقوط هذا الكم من الشهداء من آل أمّهز هو لأنهم يجتمعون حول الدفء والأمان وإقامة الدعاء ومناجاة الله كي ينجيهم، لا من أجل وليمة أو حتى التحضير لمخطط عسكري.
آل أمّهز معروفون بحنيتهم على بعضهم، وربما يجتمعون في منزل واحد وهم يرددون “إما نعيش معاً أو نرحل معاً”، لأن الحياة من دون الأحباب لا قيمة لها.
هناك الكثير من آل أمّهز رحلوا بعد وفاة عزيز لهم، من شدة التعلق والمحبة، وكأنّ الفراق موجع لدرجة تحرق القلب وتمنع استمرار الحياة.