العقيدة الروسية على نار هادئة
بقلم جبران السلامي
بوتين يعد طبخة دسمة لكنها صعبة الهضم. فهل يستطيع زيلينسكي وجيشه والأمريكان هضمها، أم ستكون المسمار الأخير على النعش الأوكرانيين؟وصلت أمريكا إلى غايتها من خلال تشجيعها لأوكرانيا على اقتحام الأراضي الروسية، والذي يعتبره الروس خطاً أحمر. وكما يقولون، فإن أمريكا تمضي في خطتها بخطىً ثابتة، فقد زودت أوكرانيا بأسلحة كانت روسيا تحذر من تزويد الغرب وأمريكا أوكرانيا بها. ثم زودتها بطائرات إف-16 وخبرات وتقنيات. والآن، لا تتورع أمريكا عن تشجيعها لأوكرانيا باقتحام الأراضي الروسية. وليس هذا وحسب، بل تسعى أمريكا إلى خلق صراع طويل الأمد بين أوكرانيا وروسيا، وإشغال روسيا بالأوكرانيين.فإذا نظرت إلى الجيش الروسي في محاور القتال مع أوكرانيا، فسترى أنه يمضي في قتاله مع أوكرانيا بخطىً ثابتة، وفي نفس التوقيت، هو قريب من قطع خطوط الإمداد على الجيش الأوكراني. وهذا سيؤدي إلى حسم الحرب بين الطرفين في بعض المناطق، وهذا سيؤدي إلى توقف الروس لبعض الوقت لاعادة تنظيم صفوفهم وتزويد قواتهم بالاسلحة والذخائر للتقدم في منطقة أخرى، خصوصاً أن المعارك الحاصلة قد أنهكت الطرفين. ولكن هناك طرف منهك أكثر من طرف فالأوكرانيين وصل بهم الإرهاق إلى حد أنهم اتخذوا قراراً صعباً بإيعاز من الأمريكيين باقتحام روسيا. وهذا سيؤدي، حسب تفكير الأوكرانيين والأمريكيين، إلى اشتعال الحرب في منطقة أخرى غير مناطق الحرب، من ما سيؤدي الى تراجع الجيش الروسي لحماية أراضيه وحدوده من الهجمات الأوكرانية.لكن ما نراه أن فلاديمير بوتين، إلى حد اللحظة، لم يقم بأي إجراء قد يؤدي إلى فتور الحرب في الجبهات الأخرى. وهذا قد يراه بعض المحللين أنه ضعف وانهاك قد أصاب الجيش الروسي. أما البعض الآخر، فإنه يرى أن بوتين يطبخ العقيدة الروسية على نار هادئة، وأنه سيرد بشكل غير متوقع وبشكل سيفاجئ الأمريكيين قبل الأوكرانيين. وهنا، نريد أن نعرف، كيف سيكون هذا الرد؟ هل هو عسكري أم هناك ردود أخرى تؤلم وتوجع الأمريكيين؟وهنا، إذا كان الرد عسكرياً بحتاً، فلن يتفاجأ الأمريكيون، فهم متوقعون من بوتين أن يقوم بقلب أوكرانيا رأساً على عقب.والأمريكيون، بطبيعة الحال، يريدون استمرار الحرب وإرهاق الروس واستنزافهم وجرهم إلى معركة طويلة الأمد. أمريكا أستفادت من تجاربها في العراق وأفغانستان، وتريد من الروس أن يخوضوا نفس التجربة التي خاضتها في هذين البلدين، وأن يغرق الروس في مستنقع أوكرانيا.لكن إذا قرر الدب الروسي أن يعاقب أمريكا بشكل آخر، فماذا سيفعل؟ ما هو الدواء الناجع لأمريكا؟ هل في قصف أوكرانيا أو في تدميرها أو في محوها عن الخريطة؟ أكيد لا هذا ولا ذاك.الدواء الناجع والذي سيؤثر في الأمريكيين هو أن تقوم روسيا بدعم أعداء أمريكا في الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية أيضاً. دعم أعداء أمريكا المعروفين بالأسلحة والخبرات.على الروس أن يعرفوا أن الأمريكيين لن يوقفوا دعمهم لأوكرانيا إلا عندما تدعم روسيا أعداء أمريكا. على الروس أن يتعلموا من الأمريكيين؛ إذ لا يترك الأمريكيون حلفاءهم في منتصف الطريق ويقومون بمساندتهم بمختلف الأسلحة والإمكانيات والخبرات، ومختلف الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والاستخباراتي. صحيح أن أمريكا ستحاسبهم في نهاية المطاف على ما أخذوه، لكن يكفي حلفاء أمريكا أنها تقف معهم في المواقف الصعبة.على الروس أن ينظروا إلى الشرق الأوسط. عليهم أن يعلموا أن دعم محور المقاومة والجهاد والمتمثل باليمن وإيران ولبنان والعراق وسوريا، حليف مهم واستراتيجي، وسيشكل ضغطاً على الأمريكيين في أي وقت. وأيضاً عليها أن تعلم أن الثقة بالمحور ودعمه بالأسلحة والإمكانيات والخبرات سيعود عليها إيجاباً، خصوصاً في معركتها مع أوكرانيا.
وفي الأخير أقول، لن يستطيع الروس إنهاء معركتهم إلا بدعم أعداء أمريكا وتقويتهم.الآن، أوكرانيا أخذت من الأراضي الروسية 1000 كلم مربع، لكن لا نعلم كم ستأخذ غداً. هل سيقوم بوتين بتطوير العقيدة الروسية من كونها عقيدة نووية هزيلة، ومستبعدة التطبيق على أرض الواقع، إلى عقيدة واقعية تمتلك عنصر القدرة، هل سيضيف بوتين مكونات الدعم والمساندة لأعداء أمريكا، والذين هم أقرب إلى التحالف معه من العداوة، أم سيظل مكون النصر ناقصاً في العقيدة الروسية؟
والسلام.