كنه التظاهر البريطاني “الأخلاقي” الرسمي المتأخر تجاه العرقبادة في فلسطين!
أ. د. مكرم خُوريْ – مَخّوٌل
أكاديمي متخصص في العلاقات الدولية والإعلام السياسي
في أعقاب قيام عصابات الاحتلال الصهيوني بعملية اغتيال موظفي الإغاثة الغربيين (ما عدا فلسطيني واحد) من مدنيين ومستشارين أمنيين في قطاع غزة في مطلع نيسان ٢٠٢٤ تعالت أصوات سياسية وإعلامية وحقوقية في بريطانيا أخذت تطالب حكومة المحافظين البريطانية بوقف بيع الأسلحة بريطانية الصنع لإدارة الاحتلال الإسرائيلي. أخذتني هذه الأصوات الى اجتماع عقدناه مع الخارجية البريطانية في أعقاب الحرب “الأولى” على قطاع غزة في نهاية العام ٢٠٠٨ ومطلع العام ٢٠٠٩ عندما جلسنا مع إدارة الخارجية البريطانية والتي ومن خلال الحديث ظنت أننا سنطالبها بوقف بيع الأسلحة الى الاحتلال إلا أننا لم نقم بذلك. كان هذا عندما تم استبدال رئيس الحكومة “العمالي” توني بلير بغوردون براون والذي عين ديفيد ميليباند وزيرا للخارجية (والذي يرأس حاليا الـ IRC لجنة الإغاثة العالمية. كنقطة انطلاق شاملة علينا طرح السؤال الأخلاقي الأساسي هنا وهو: هل يمكن أصلا التعامل مع نظام صهيوني يحتل فلسطين وينفذ مشروعا كالمثلث متساو الأضلاع مكون من: ضلع التطهير العرقي والإبادة الجماعية والأبارتهايد – ولم “يبخل” باقتراف مروحة وحشية من الجرائم ضد الإنسانية وبالتحديد جرائم العرقبادة (التطهير العرقي والإبادة الجماعية) في فلسطين عموما وفي قطاع غزة بشكل خاص في الأشهر الستة الأخيرة؟ لكن ولخدمة الموضوع وحصره في إطار هذه المقالة الضيقة سنكتفي بإلقاء نظرة على التبادل التجاري العسكري ما بين الاحتلال الصهيوني الحالي لفلسطين والاحتلال الذي سبقه والذي سلمه فلسطين وعبّد طريق نكبتها والممثل حاليا في حكومة بريطانيا (ما بعد الاستعمار الرسمي للإمبراطورية البريطانية) فنجد ان بريطانيا ومنذ عام ٢٠٠٨ باعت للاحتلال قطع أسلحة تصل قيمتها السنوية إلى نحو ٤٠ (أربعين مليون جنيه إسترليني) سنويا. إذا ما قارنا ذلك مع الميزان التجاري العسكري ما بين الاحتلال وأمريكا (على الأقل ٣ مليار دولار سنويا عدا غير المباشر والغير معلن) فنجد أن ما تبيعه بريطانيا الى الاحتلال الإسرائيلي لا يتجاوز النصف بالمئة مما يستورده الاحتلال من الأسلحة من دول عديدة في العالم. نعود الى لقائنا مع مدير الخارجية البريطانية عام ٢٠٠٩ ونشير إلى أننا فاجأناه عندما لم نطلب ان تتوقف بريطانيا عن بيع الأسلحة للاحتلال وإنما “القنبلة’ التي ألقيناها أمامهم هو طلبنا أن تتوقف بريطانيا عن استيراد الأسلحة من شركات الأسلحة الإسرائيلية. هنا تفاجأت إدارة الخارجية البريطانية من الطلب لأننا ركزنا على الميزان التجاري العسكري الحقيقي. فبريطانيا تستورد اليوم من شركات الأسلحة التي تملك غالبيتها حكومة ووزارة حرب الاحتلال الإسرائيلي ما قيمته اليوم نحو ٢ مليار جنيه إسترليني (مليارين) منها عقد لاستيراد Drones المسيرات بقيمة لا تقل عن مليار جنيه سنويا إضافة الى عقود عديدة أخرى. إذا لو ارادت حكومة المحافظين البريطانية فعلا التأثير على الممارسات الجرمية للاحتلال الصهيوني في فلسطين وقطاع غزة بالتحديد ووقف العرقبادة بعد ستة أشهر، يجب عليها ان تعلن عن وقف استيراد الأسلحة من الشركات الإسرائيلية. هذا لا يقول إن المطالبة بوقف بيع قطع الأسلحة البريطانية للاحتلال هو خطأ الا انه لن يؤثر على مسار عدوان العرقبادة الذي يقترفه نتنياهو في قطاع غزة، ولكنه بالتأكيد يؤثر على الخطاب الذي يهدف الى سحب “الشرعية القانونية والأخلاقية” للجرائم التي ينفذها الاحتلال في قطاع غزة. نحن نقول ان كل ضغط ولو بوزن الريشة مهم بما فيه “الضغط” الذي خرج من الموظفين الحكوميين البريطانيين في وزارة الدفاع (ممكن عدهم على أصابع يد واحدة) الذين يديرون بيروقراطيا عملية اصدار التراخيص لبيع الأسلحة من بريطانيا للاحتلال والذي فهموا انهم قد يكونوا عرضه للاتهام القانوني بتورطهم (وذلك نتيجة بيع أسلحة بريطانية الى الاحتلال) بجرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية و\أو التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي في اقتراف هذه الجرائم ودلك نتيجة بيع الأسلحة الى الاحتلال الإسرائيلي. عندما قلنا لإدارة الخارجية البريطانية عام ٢٠٠٩ انه “لربما الان وذلك بسبب وجود وزير خارجية جديد (ديفيد ميليباند آنذاك) ينحدر من أصول يهودية يسارية ونجل أكاديمي يهودي ماركسي قد يتمكن من اتخاذ خطوة كذلك”؟ لغة جسدهم دلت على عدم إمكانية حصول ذلك الا اذا قمنا باتخاذ خطوات تشريعية عبر البرلمان او الجهاز القضائي يمنع الحكومة البريطانية من التبادل التجاري العسكري مع الاحتلال الإسرائيلي. قلنا دوما في مقالات سابقة ان التحدي الأكبر أمام القضية الفلسطينية في الغرب الجمعي وبريطانيا بالتحديد هو ليس الرأي العام والمزاج الشعبي – فقد كان وما زال مع فلسطين وبشكل تصاعدي. التحدي الأكبر كان وما زال هو بالنجاح بتغيير مواقف متخذي القرارات والذين (أو من يجول في أروقتهم ويخضع لتأثير اللوبي الصهيوني) ما زالوا يدعمون – لا بل دعموا الاحتلال الإسرائيلي في جرائم العرقبادة منذ بدايته على قطاع غزة قبل ستة شهور. صحيح أن جزء من الأصوات التي تنادي بضرورة توقف بريطانيا عن بيع الأسلحة (رغم عدم تأثير ذلك على الاحتلال) صادقة، ولكن بعض هذه الأصوات يقع في إطار الحيل القذرة لهؤلاء الساسة الذين يتظاهرون بالأخلاقية رغم انهم يعرفون الحقيقة (حقيقة عدم تأثير ذلك) ويحاولون تسويق موقف “أخلاقي” مخادع للجمهور وذلك لتحسين سمعة حزب المحافظين البريطاني (الذي تم تسجيل تراجع كبير في شعبيته) الذي تصرف بعض وزرائه في مطلع العرقباده في قطاع غزة وكأنهم ناطقين بإسم نتنياهو وأكثر. سبل التأثير على متخذي القرارات في بريطانيا والتي هي على عتبة انتخابات محلية وتشريعية ليست قليلة وأدناه نعيد طرح تحد كبير وجدي من شأنه المساس بشركات الأسلحة الإسرائيلية اقتصاديا ونظام الاحتلال بشكل خاص وهو متوفر في المصادر المفتوحة لمن يحترف البحث: في كل عام يقام معرض الأسلحة الجوية الشهير في بريطانيا والذي يدعى: فارنبارا.Farnborough Air Show والذي سيقام هذا العام في الأسبوع الأخير من شهر تموز ٢٠٢٤ القادم. وكان خبراء في شؤون الدفاع قد لمحو الى أنه إذا ارادت بريطانيا الرسمية فعلا الضغط على الاحتلال بشكل كبير (فشراء بريطانيا بمئات الملايين من الجنيهات يوفر خزينة الاحتلال بالأموال تساهم في إدارة عدوان العرقبادة في قطاع غزة بالتحديد) فعليها إلغاء مشاركة شركات الاحتلال الإسرائيلي في هذا المعرض في بريطانيا، والتي تجهز نفسها تسويقيا للبيع بمليارات الدولارات في هذا المعرض. هل ستجرؤون على رفع القفازة في محاولة من طرفكم لمسح دم أطفال فلسطين من على وجوهكم الملطخة نتيجة أفعال أياديكم؟