مختارات

إستشهاد النحل

روى الكاتب سلام الراسي ، قال:

في أيام شبابي كنت أتعاطى تربية النحل ، وكنت ألتقي بصديقي الشيخ الوقور “أبو علي” حول هذا الموضوع . وفي إحدى الجلسات أراد أن يمتحنني الشيخ بسؤالين ، فقال :

النحلة إذا لدَغَت إنساناً ماتت في الحال ، وإذا مسَّ جناحُها العسلَ عَلِقَ به فلا تستطيع أن تفلِتَ منه ، ولا تلبثُ أن تموت ، فما حكمة الله في هذا الشأن ؟!!… وإذا كان الشيخ أبو علي يفترض أنني مع واسع علمي بتربية النحل ، ولكنني كنت أجهلُ حكمةَ الله في خصائص مخلوقاته فقال:النحلة لا تلدغُ إلا دفاعاً عن قفيرِها ، فتموتُ في الحال شهيدةَ وطنها الذي هو القفير !!!

فلو سمَحَت لها العناية الإلهية أن تلدغَ وتبقى حيّة ، لكان بإمكان قفيرٍ من النحلِ أن يهزم أكبرَ جيشٍ من الرجال !!!لذلك جعل اللهُ موت النحلة رادعاً لها ، فلا تعتدي إلا على من إعتدى على قفيرها …

ثم أضاف الشيخ أبو علي، فقال: ولمّا كان العسلُ مادةً شريفةً طاهرة فيها شفاءٌ للناس بإرادة الله تعالى ، ويجب أن يُصانَ هذا العسل ، فلا يمسّه حتى جناح النحلة التي جَنَته ، فقد يكون جناحها ملوثاً، والعسل يجب أن يكون طاهراً … لذلك تحاذِرُ النحلةُ كثيراً لكي لا يمسُّ جناحها العسل ، لئلا تعلَقَ به فتموت، وهذه حكمةٌ إلهية سامية في دِقّةِ عملها !!!…ثم إمتحَنَني بسؤال آخر فقال :هل تعلم لماذا العسل الصافي إذا خزّنته في وعاءٍ نظيف لا يفسد مهما طال عليه الزمن.. ؟

قلت : العلم عند الله وعند الشيخ أبو علي!!فقال الشيخ : لأن العسل مالٌ حلال ، والحلال يدوم .. فالنحلة تجني العسل بتعَبِها ، ولا تؤذي الأزهار التي تتعاملُ معها ، بل بالعكس فإنها تنقل اللقاح من زهرة إلى زهرة ، فتنفعُ بمقدار ما تنتفع ، فيكون العسل مالاً حلالاً ، والمال الحلال يبقى ، والحرام يزول… وعندما نهض الشيخ أبو علي مودِّعا أوصاني أن أكون مثل النحلة ، أنفع بمقدار ما أنتفع ، فيكون مالي مثل العسل حلالاً زلالاً فلا يفسد !!!سبحانَ الله العليم القدير،، يضعُ سِرّهُ في أضعفِ مخلوقاته لتكون لنا عِبرةً لِمن يعتبر… مخلوق صغير يعلمنا الطهارةَ في عمله بصنع العسل .ويعلمنا الحلال في رزقِه.ويعلّمُنا عدم الأذى لأحدٍ مالم يعتدى عليه ،ويستشهدُ في سبيل وطنهِ إذا اعتُدِيَ عليه.

قال اللهُ تعالى:

“والذينَ جاهدوا فينا لنَهديَنَّهُم سُبُلَنا، وإنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسنين…”

طوبى للطاهرين في سرائِرهم وأعمالهم ومعاملاتهم،طوبى للساعين بنشر السلام بين الناس، طوبى للذين يذودون عن قفير الوطن .

الله يرحم الشهداء …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى