كل حضارة وتراث الغرب المنافقتحت نعال أطفالنا في فلسطين
خليل إسماعيل رمَّال
في بداية التوحُّش الإسرائيلي وحرب التطهير العرقي والمجازر ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزَّة هاشم، هرول كل كلاب الغرب ووحوشه إلى تل أبيب لكي يتضامنوا مع المجرم السفاح نتنياهو وكيانه الصهيوني الإستعماري الابرثايدي الغاصب بذريعة “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها” غير مبالين بسقوط شهداء مدنيين عُزَّل، جُلَّهم من الأطفال والنساء والكبار.
لقد ظن الحقراء رؤساء أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وحتى إيطاليا، بفعلتهم هذه أنهم قد وقفوا مع التاريخ الذي سيُصْنَع في تل أبيب عبر تضامنهم مع وحش كاسر إهتز جبروته وسقط أمنياً وتمرَّغ وحهه بالمجارير بعد فقدان أسطورته الكرتونية، وهو يحاول رد اعتباره وبأنه سينتصر وسيكون التاريخ معه وهم إلى جانبه لأن التاريخ يكتبه الأقوياء والمنتصرون، كما ظنُّوا أن شعوبهم وشعوب العالم لن تلاحظ انحيازهم وساديتهم ودراكوليتهم لأن قضية شعب فلسطين، التي باتت في العناية الفاقعة (حسب اللغوي العبقري نديم الجميِّل) أضحت عِبئاً على العرب قبل الغرب وبالتالي فلن تتأثر هذه الشعوب خصوصاً وأنه، حسب وعد تل أبيب، فإنَّ العملية العسكرية لن تستغرق إلا أياماً معدودات لإجتثاث المقاومة الفلسطينية. هذا ربما السبب المهم الثاني لانحياز الغرب الأعمى، بعد السبب الأول وهو ارتباط مصالح الغرب الاستعماري المجرم مع مصالح إسرائيل وقد علمنا بتشابك بزنيس ريشي سوناك، رئيس وزراء بريطانيا الهندوسي الذي احتقره وقرف منه نتنياهو ولم يقبِّله، وبزنيس زوجته مع الشركات الإسرائيلية لهذا رفض هؤلاء الأوغاد الحاقدون زعماء الغرب حتى مجرد المطالبة بوقف إطلاق النار، موغلين ومشاركين في دم أطفال فلسطين.لكن بعد رؤية مشاهد المذابح التي هي سمة وعنوان العدو الجبان، وبعد الأسبوع الخامس على المعركة غير المتكافئة، وتحرُّك إنسانية الشعوب الغربية والعالمية (أكثر من الشعوب العربية التي لو ثارت فيها الحمية لاجتاحت الحدود بعد أن تكون قد داسَتْ على وجوه حكام الردَّة وحطَّمَتْ معبر رفح رغم أنف السيسي)، بدأ الرأي العام الغربي ينقلب ويتعاطف مع فلسطين حتى من قبل اليهود أنفسهم ما عدا الصهاينة. فقد عمَّت التظاهرات بمشاركة مئات الآلاف من المواطنين وانطلقت في عواصم العالم فحقَّقَتْ لفلسطين نصراً ثانياً، بعد انتصارها الأول في عملية ٧ أكتوبر!
وبسبب صمود المقاومة الفلسطينية بفعل قوتها الذاتية وإسناد حركات المقاومة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، انقلبت الدفَّة وسرى الملل والإحباط في شريان زعماء الغرب الموتورين أصحاب الضمائر الميِّتَة بعد أن تبين أن أحذية شعوبهم أفضل من رؤوسهم، وخاب أملهم من توسيع بيكار الاهداف الإسرائيلية وفهموا أنهم لن يكونوا في إطار التاريخ بعد هذا، بل خارج الصورة لأن التاريخ يسطِّرُه اليوم أطفال غزَّة الشهداء تحت الركام وفي العراء!
هذا الدعم المفتوح للقتل الجماعي للشعب الفلسطيني أخذ يتآكل وبدأت الدعوات لإعلان هُدَن إنسانية وحتى وقف إطلاق النار مما أثار حفيظة نتنياهو وحيوانه البشري غالانت اللذين أقرا بأن دول العالم تضغط عليهما لوقف النار لكنهما مصران على تحقيق المستحيل بينما جنودهما وضباطهما يتم قطفهم كالأشواك في غزَّة وعلى الحدود مع لبنان. وكما قال سيِّد المقاومة إنها معركة تراكم الإنجازات وتجميع النقاط والملاكم الحاذق غير القادر على تسديد ضربة قاضية سريعة لخصمه، أن يسعى للفوز بالنقاط وهذا يتطلب الصبر والتحمُّل والجلَد وطول الأناة والمثابرة والمواظبة. نقطة أخيرة، قرأت للسيد مشعل عبد الرحمن الملحم تغريدة مهمَّة تقول إن “رواية الغرب لأحداث الشرق الأوسط جعلتني أشك في رواياتهم عن الحرب العالمية الثانية وقصتهم عن الحرب العالمية الأولى وكل الحروب التي خاضوها.. وكل المعارك التي انتصروا فيها، فهل كان هتلر مجرماً حقاً كما يصورون؟
هل كان الهنود الحمر متخلفين كما يزعمون ؟
هل كان شعوب أستراليا الاصليين متوحشين كما يدعون؟
انني أشك في كل ما دوَّنوه عبر التاريخ فهم يزوِّرون الحاضر ونحن عليه شهود عيان فماذا عن الماضي ونحن عنه غائبين، يحرفون المشهد ونحن نراه، يغيرون الوقائع ونحن نعيشها فكيف نأتمنهم على نقل الماضي.
إن التاريخ مكتبة عبث بها الأقوى وقبل بها الأضعف ،إنه روايه صاغها المنتصر وروَّج لها المنهزم. وستظل هذة الرواية تمجد الأقوى وتسيء للأضعف طالما القلم بيد المنتصر والحبر حبره والدفتر دفتره.
فالتاريخ يصنعه من قبض على القلم”.
كم محق هذا القول؟!
بعد غزَّة، كل تراث الغرب المنافق وكل سجلّه ودواوينه وحضارته التي سرقها من الشرق وتاريخه المُزوَّر الساقط هم تحت نعال أطفالنا في فلسطين، الشهداء منهم والأحياء!
ديربورن في ١٧ نسرين الثاني (نوڤمبر) ٢٠٢٣
كاتب سياسي وإعلامي مغترِب