من وحي ” طوفان الأقصى” (14)
انتصاران
معن بشور
16-10-2023
مع دخول حرب “طوفان الأقصى” يومها العاشر من حقنا أن نعتز بالانتصار التاريخي والاستراتيجي الذي حققه في السابع من أكتوبر/ تشرين اول 2023 بواسل حماس والمقاومة الفلسطينية، والذي أذهل الصديق قبل العدو ،والذي يمكن اعتباره محطة تحوّل كبرى في تاريخ الصراع مع المشروع الصهيو – امريكي.
اما الانتصار الثاني الذي واكب الانتصار الكبير فهو في “الطوفان البشري” الذي ملأ معظم عواصم الأمة والعالم، حين خرجت الملايين من اليمن الى الأردن، ومن العراق الى المغرب، ومن إيران الى تركيا، ومن اسيا الى أوروبا ،ومن امريكا الى استراليا، تعلن أعتزازها بهذا الانتصار وبالصمود الأسطوري لاهلنا في غزة رغم كل ما يواجهونه من اجرام ووحشية فاقت مثيلاتها التي شهدها العالم منذ عقود بما فيها وحشية الهولوكوست النازية التي يبدو ان من استغل وحشيتها بالأمس يمارس ما هو افظع منها اليوم.
وبقدر ما كان الانتصار ثمرة تخطيط واعداد وتجهيزات استمرت فترة طويلة في اطار كتائب عز الدين القسّام ومحور المقاومة، فإن الانتصار الثاني ما كان ليتحقق لولا تنامي منطق عنوانه “فلسطين تجمعنا” رغم كل ما شهدته أمتنا من صراعات ونزاعات بين تيارات وأحزاب وقوى وقعت في فخ تغليب الخلافات الثانوية على التناقض الرئيسي…
وكما حمل ابطال المقاومة ومحورها رسالة الوحدة بين مكونات المحور متجاوزين كل الافخاخ والعصبيات والاغراءات التي سعت الى الإيقاع بينها، نجح أصحاب المنطق الوحدوي الجامع الذي عبّرت عنه المؤتمرات والمؤسسات المنضوية تحت لواء “المؤتمر العربي العام” والداعية لبناء كتلة تاريخية تجمع بين تيارات الامة القومية منها والإسلامية واليسارية والليبرالية الوطنية والمؤمنة بمشروع نهوض عربي بوصلته فلسطين وتحريرها من البحر الى النهر.
لقد أكّد حملة مشروع تجميع قوى الامة أنه يمكن لقوانا المقاومة أن تعمل معاً على ما تتفق عليه، وتعذر بعضها بعضاً فيما تختلف عليه، وتدخل الى مواقع الاختلاف والتباين بينها من نقاط الاتفاق والتلاقي لتعالج الخلافات بروح وحدوية مترفعة عن الاعتبارات الطارئة والعصبيات الضيقة، بدلاً من أن تسمح للخلافات ان تدخل نقاط التلاقي وتدمرها…
بالطبع لم يكن من السهل على دعاة الكتلة التاريخية تحقيق اهدافهم في جمع كلمة الامة على مواجهة اعدائها، لا سيّما بعد الانقسام الحاد الذي أوجدته أجواء وفتن رافقت ما يسمى “بالربيع العربي”، لكن تصميم هؤلاء الدعاة، واتضاح الطبيعة العدوانية لمشروع الأعداء مكنّاه لمنطق تغليب التناقض الرئيسي على التناقض الفرعي، فكان محور المقاومة، وكانت انتصاراته في أكثر من مجال، لا سيّما على أرض فلسطين المباركة ودفاعاً عن مقدساتها وأهداف شعبها الوطنية والتحررية والايمانية، وهي انتصارات لا تقل مسؤولية حمايتها اليوم، فكرياً ونضالياً وسياسياً، على كل من يحمل همّ انتصار الأمة على أعدائها ، فنحرر خطابنا السياسي من مفردات التناحر واحياء التناقضات القديمة وإذكاء الصراعات الجانبية بين قوى التحرر التي طالما جمعتها جبهات وملتقيات ومؤتمرات طيلة سنوات ما قبل ما يسمى “الربيع العربي”، حتى ان كثيرين لم يكونوا قادرين آنذاك على التمييز بين من هو قومي عربي أو إسلامي أو يساري أو ليبرالي وطني من خلال كلماتهم أو مقالاتهم أو مواقفهم.
ان انتصارنا اليوم في غزة، وغداً في عموم فلسطين، وبعد غدٍ على مستوى الأمة، وبعدها على مستوى العالم ، إن شاء الله ، لن يتم إلاً اذا انتصرنا داخلنا على منطق التناحر والانقسام والشيطنة ونبش جراحات الأمس وإذكاء نيران خلافات الماضي.