مقالات

ماذا حصل عام ١٩٨٢

محمد شكر

اجتياح لبنان عام ١٩٨٢ أحدث كارثة عسكرية للثورة الفلسطينية أدت لإزالة وجودها عن الساحة اللبنانية، ولم تكن جولة بالامكان تعويضها لاحقا ثم التحضير لهجوم معاكس واسترجاع مواقع أو مناطق خسرتها ، إنّها الضربة القاضية التي قسمت ظهر الفصائل الفلسطينية وأخرجتها من لبنان .
فإن تجارب القوى الثورية العسكرية في العالم عندما تتوفر لها الجغرافيا المناسبة للقتال تستطيع الصمود والثبات والمناورة للحفاظ على الارض وحمايتها.

وفي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي وصلت الفصائل الفلسطينية في لبنان للذروة في مراكمة القوة العسكرية من العديد والعدة وكانت قد خاضت معركة مع العدو الصهيوني عام ١٩٧٨ سُميت (بإجتياح الثمانية أيام) ودمر العدو الصهيوني خلالها بعض القرى اللبنانية وخسرت المقاومة الفلسطينية مواقعها الأمامية وتراجعت إلى شمال الليطاني علمًا أن انتشارها كان على رقعة جعرافية وعرة وتمتلك الامكانيات الكبيرة من المقاتلين والسلاح وذلك يؤهلها لمنع تقدم العدو وتكبيده خسائر كبيرة .

ومع بداية عام ١٩٨٢ كانت قد احسّت المقاومة الفلسطينية بالاسترخاء وتلهّت بالمكتسبات والرفاهية وأهملت جبهة الجنوب وتحولت للحياة في المدن اللبنانية حيث وجدت البديل عن القتال والتحرير والشهادة في سبيل تحرير فلسطين ، فسكنت قياداتها في الابراج والشقق الفخمة كما ركبت السيارات الفارهة للتنقل بين المكاتب والمنازل التي فُرشت بأجود انوات الأثاث واصبحت مواكبهم على الطرقات تتعدى عشرات السيارات وجيبات الحماية ، وأصبحت زياراتهم إلى جبهات الجنوب بالمناسبات ، وتحولوا لقوى أمنية تفرض وجودها في الشوارع والمناطق اللبنانية بديلا عن الدولة يترأسون قطاعات وتسميات مناطقية وقادة ألوية ووحدات في الداخل ، واستقدموا مقاتلين مرتزقة من باكستان وبنغلادش واليمن والسودان وبعض الدول الاخرى ونشروهم في المواقع المتقدمة في جنوب لبنان حيث كان المسؤول فلسطينيا والعناصر من جنسيات مختلفة ونادرا ما كان يتواجد هذا المسؤول على رأس عمله .

وبعد أن كان سكان الجنوب يتعاطفون بشكل كامل مع المقاتلين الفلسطينيين ويتجندوا في صفوف الثورة الفلسطينية حين رفعت شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر وأنّ تواجدهم في القرى الجنوبية ليس إلا تواجدًا مؤقتا من العرقوب إلى الناقورة على طول الحدود وسيكون توجههم نحو فلسطين ولا عودة عن هذا القرار حتى النصر ، مما حفّز الناس ان يكونوا كخلية نحل في خدمة المقاتلين خلال المعارك .
وحين شعر سكان الجنوب ان الفصائل انحرفت عن الشعارات التي رفعت وبدأوا التنكيل بالسكان والتدخل في الشؤون الداخلية للقرى فأحدث ذلك نفورًا كبيرًا وحدثت بعض الاشتباكات بين بعض الفصائل وسكان الجنوب وتكرر ذلك مرات عديدة حيث استعمل سلاح المدفعية والراجمات لقصف بعض القرى وكانت تكبر الفجوات نتيجة تلك التصرفات مما جعل الاغلبية من سكان الجنوب يبتعدون عن الثورة الفلسطينية ، وهذا الامر هو احد الاسباب الذي حوّل الثورة الفلسطينية إلى جسم غريب على الجنوبيين حيث فقدت الحاضنة الشعبية .

وإذا أردنا إنصاف البعض من تشكيلات الفصائل فهم قلائل ممّن التزموا خط النضال وحافظوا على مبادئهم وثبتوا في مواقعهم
وكان على ارض الجنوب انتشارا واسعا لسلاح المدفعية والصواريخ والراجمات المتطورة ويتمركزون على الخطوط الخلفية لجبهة القتال بمحاذاة قرى مدينة النبطية ومدينة صور وقرى اقليم التفاح وجبل الريحان والبقاع الغربي وكان يترأس ما سُمي آنذاك القوات المشتركة في الجنوب الحاج اسماعيل وكان مكتبه في صيدا .
وهذا الانتشار الصاروخي الكثيف باستطاعته حماية المواقع العسكرية الامامية ومنع تقدم العدو ، وهذا التمركز الصاروخي لا يحتاج لغطاء جويٍّ لان طبيعة الارض الجبلية والاودية العميقة والتضاريس كفيلة بإخفاء كتائب عسكرية وفيالق بكامل عتادها وسلاحها الثقيل وحتى أغلبية هذه الاسلحة الثقيلة أيضا كانت تتخفى تحت الابنية بين الناس ، وللعلم فإن المقاومة الفلسطينية كانت تمتلك قدرات هائلة على كافة المستويات وتستطيع حفر الجبال والتخندق تحت الارض وكان متاح لها حرية الحركة.
أما بالنسبة للمواقع الامامية أيضا كانت التلال والمناطق الحرشية تمنحها الافضلية في إمكانية التحصين والتنقل والمناورة خلال القتال والالتحام مع وحدات وآليات العدو المتقدمة بشكل فردي أو جماعي .
وكان سلاح الفصائل الفلسطينية على الجبهات الامامية من مصادر متعددة والنسبة العالية من روسيا ودول المنظومة الاشتراكية ويتكون من الانواع التالية : كلاشينكوف ، ورشاش بي كي سي ، وقنابل دفاعية وهجومية ، وقاذف وآر بي جي ٧ ، وبي ١٠ ، و١٠٦ ملم محمول عديم الارتجاج ، ورشاش دوشكا ، ورشاش ثقيل ١٤.٥ محمول ، ورشاش ٢٣ مضاد أرضي محمول ، وراجمة كورية ١٠٧ ملم ، وأنواع عديدة من الصواريخ المضادة للدبابات ، وهذه الانواع من الاسلحة كانت بحوزة المقاتلين على الخطوط الامامية، علاوة على امتلاك الفصائل راجمات غراد متطورة ومدافع ميدان بعيدة المدى .

في الاول من حزيران عام ١٩٨٢ بدأ العدو الصهيوني بالتّقدم من عشرات المحاور على الجبهة الجنوبية من منطقة صور والنبطية ومرجعيون متخطيًا خطوط الدفاع الاولى للمقاومة الفلسطينية مُحدثًا خروقات كبيرة دون توقف بمئات الدبابات والآليات العسكرية واجتاح المناطق الجبلية الوعرة ودخل القرى والمدن ولم تسجل عمليات التحام مباشرة على مستوى الفصائل والسرايا سوى في قلعة الشقيف حيث تم تطويق بعض المجموعات المقاتلة ، وبعض القتال الفردي دون خطة، واستمر العدو بالتقدم والسيطرة على المرتفعات لتأمين قواته التي وصلت خلال أيام قليلة على مشارف بيروت والبقاع .

وهنا نأتي على ذكر الوجود العسكري للوحدات السورية التي كانت منتشرة في مناطق جبل لبنان – جزين جبل الريحان – والبقاع الغربي ، وفي منطقة جزين جبل الريحان حتى تخوم البقاع الغربي مقابل قوات العدو المتواجدة في تلال بلاط مرجعيون كان ينتشر لواء عسكريّ سوريّ يتضمن اربع كتائب تشكيلها العسكري كتيبة مشاة تختص بالحواجز – كتيبة دبابات وعربات بي أم بي وسرية مدفعية من عيار ١٢٢ ملم روسي ذاتي الحركة ومجموعة صواريخ مضادة للدبابات ، وعندما بدأ العدو الصهيوني بالاجتياح من المناطق المقابلة لانتشار الوحدات السورية حصل التحام وتدخل سلاح الجو الصهيوني وحسم المعركة مما اضطر ممن تبقى من الوحدات السورية الانسحاب باتجاه البقاع الغربي وخلال انسحابها تعرضت آلياتها للقصف الجوي وتدميرها بشكل كامل على الطرقات .
والجدير ذكره أن القوات السورية التي كانت منتشرة في لبنان قد فقدت الغطاء الجوي حيث أن العدو الصهيوني وبمساعدة من الاميركيين قد عطّل فعالية الصواريخ المضادة للجو في سهل البقاع ومنطقة ظهر البيدر بتقنية التشويش من طائرات الاواكس الاميركية .
وبالرغم من فقدان الغطاء الجوي والذي سمح للطائرات الصهيونية بالتحليق والمناورة بدون أية خطورة خلال قصف الاهداف الارضية الثابتة والمتحركة، إلا أن البعض من هذه القوات السورية استطاعت التمركز والقتال لأوقات محدّدة وأوقفت التقدم الصّهيوني بأكثر من مكان وسجّلت بطولات فردية واستمرت بالقتال حتى الاستشهاد.
ومن هذه البطولات الفردية أحد الضباط من الجيش العربي السوري برتبة نقيب من كتيبة الدبابات التي تعرضت للقصف الجوي وكان يُعاني من إصابة في كتفه استطاع وحيدًا قيادة الدبابة وخرق أحد جدران المباني في بلدة مشغرة البقاع الغربي بفوهة مدفع الدبابة لعدة مرات يعود للخلف ويتقدم حتى أحدث فجوة مناسبة للتصويب والرمي وما إن أطلت طلائع دبابات العدو المتقدمة من الجهة المقابلة عند سور مهنية مشغرة حتى أطلق قذائف دبابته وأعطب إحدى الدبابات واستمر بالرمي حتى دمرها مع طاقمها الأمر الذي أجبر باقي دبابات العدو على التراجع والتوقف لعدة ساعات مما حيّر قيادة العدو كيف يتعاملون مع الموقف بالرغم من تدخل الطيران الحربي وقصفه عدة مرات لم يستطع اصطياد دبابة النقيب البطل حيث كانت متخفية وتطلق النار عند اي تحرك جديد للدبابات العدوة ، وبعد مضي ساعات أرسل العدو فرقة “قوماندوز” وأنزلت من مروحية على تلة خلف الدبابة وواجه قوة العدو ببطولة حتى ارتقى شهيدا
يتبع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى