مقالات

شيخ الكتاب يوبخ التلاميذ الأغبياء في السياسة .. الحمير في أسراب الجياد

نارام سرجون

كلما كتبت مقالا كنت أعرف ان هناك من سيحاول قتله وطعنه او تسفيهه .. وكنت أعلم ان كل مقال سيقتل عددا من أعدائي أيضا .. ولذلك كنت عقب كل مقال اجلس بهدوء على ضفة النهر انتظر وصول جثث بعضهم التي أصابته مقالاتي في مقتل ..عندما كتبت مقالتي الاخيرة عن سيايكس بيكو الطوائف كنت على يقين من أنني أخرجتهم عن طورهم وأنهم سيبدؤون في غاراتهم القبلية وغزواتهم التي سيحاولون فيها سحق مقالتي ويلقون النار عليها او يسددون عليها رماحهم لتمزيقها وبعضهم سيظنها سبية سيأخذها الى مخدعه .. ولأنني كنت اعرفهم وأعرف كيف يفكرون وكيف ينفعلون فانني كمنت لهم خلف التلة لأنني عرفت ان الغارات ستبدأ بالوصول علىى الجمال والحمير والبغال .. دون ان يكون هناك فارس واحد .. ولا حصان واحد .. وتعثرت الحمير بالحمير والبغال بالبغال والجمال بالجمال .. وتدحرج المقاتلون على الارض .. فجمعتهم واقتدتهم لالقاء درس عليهم كما يفعل شيخ الكتاب بتلاميذه الأغبياء .. وهو يضرب رؤوسهم بعصاه .. ويعلمهم (ألف لاشنّ عليها .. والبي وحدة من تحتا .. )

جمعت عينات مما كتب المغيرون على المقالة .. وقد حذفت تعليقاتهم لأنها مليئة بالمغالطات والقباحات والرثاثة والركاكة والفجاجة وقلة العقل وقلة المنطق ووجودها سيجعل مقالتي كقطيع من الجياد البرية التي لحقت بها بعض الحمير وارادت ان تنتسب الى قطيع الخيول .. او أنها كالذهب في أعناق الحمير .. فقررت طرد الحمير وابقاء الخيول الاصيلة البرية الجامحة .. كيلا يختلط صوت النهيق بحمحمات الخيول وصهيل الجياد ..

احد الاسئلة الغبية التي طرحها احد التلامذة الاغبياء على شيخ الكتاب هو: وكيف لاترى رايات حزب الله الدينية كما ترى الرايات التوحيدية للدروز ..؟
واحسست ان صاحب السؤال كان يحس وهو يكتبه انه يكتب النظرية النسبية ومعادلتي لورنتز في الرياضيات .. وأحسب انه كان مسرورا بمستوى عقله وفطنته وانه أصابني في مقتل .. ووضعني في موقف محرج وخانة (اليك) وأنني وقعت في الحفرة التي نصبتها له..
وعندما سمعت سؤاله تصرفت كشيخ الكتاب .. وامسكت العصا وهرشت بها على جلده وقلت له كما يقول شيخ الكتاب للتلامذة الكسالى والاغبياء: يا ايها الحمار .. عندما تقرأ حاول ان تقرأ لتملأ ثقوب عقلك وليس ان تبحث عن الثقوب في جسم المقالة .. نحن نقرأ لنملأ ثقوب عقولنا لالنفتح ثقوبا في عقولنا .. وعليك ياصديقي الحمار ان تفهم ان المقالة التي حذرت من الانشقاقات الدينية والطائفية تحكي عن السجال السياسي والداخلي في الدين الواحد وليس بين دينين ومذهبين مختلفين .. لأن غير ذلك يعني انك تتحدث عن حرب اهلية طائفية .. فحزب الله لم يرفع راياته الدينية و(لبيك ياحسين) وان (حزب الله هم الغالبون) .. لم يرفعها بسبب انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية .. ولا بسبب ضعف الرواتب ولاازمة المحروقات .. رفعها في لحظة صراع مع تناقض خارجي وعدو خارجي هو الاحتلال الاسرائيلي .. وقبل ذلك الاحتلال لم يكن هناك وجود لحزب الله .. وبالتالي هو لم يرفعها الا بعد ان ربطها بمعركة خارجية .. هي معركته مع اسرائيل .. وهذا هو حصنه الحصين الذي يحميه من لعنة السياسة الداخلية وسجالاتها ولذلك ترى ان اسرائيل ومواليها ومحبيها يحاولون استدراجه الى معركة السجال الداخلي المعيشي والفساد .. ولكنه لايدخل نفسه في هذا السجال السياسي الداخلي .. وتأكد ان حزب الله سينتهي الى انشقاق داخل البنية الشيعية بمجرد ان تخلى عن الصراع مع اسرائيل وتفرغ للصراع والسجال الداخلي .. هذا قانون المجتمع والدين الذي ينطبق على حزب الله وعلى غيره .. مثل قوانين التحولات الاجتماعية التي وضعها ماركس كطريقة للتنبوء بمسار المجتمعات ..
لذلك اقعد أيها الحمار ولا تحاول خلط الامور .. وعقوبتك ان تكتب الحروف الهجائية 200 مرة ..

فيخرج فجاة صوت من جلسة التلاميذ في حضرة شيخ الكتاب ويسأل: ياشيخي ماهو سبب قبولنا ان ايران ترفع الراية الدينية ولانقبلها من غيرهم؟ .. وهنا يمسك شيخ الكتاب عصاه ويقول له: ياحمار .. ايران بلد وحضارة وثقافات ومجتمعات وأعراق .. طالما ان ايران ربطت شعاراتها الثورية بعدو خارجي منذ اللخظة الاولى فان هذا سيعصمها من الوقوع في الخطيئة التي يقع فيها المتطيفون الذين يزجون بطوائفهم وعقائدهم في السجالات الاهلية والداخلية .. وعندما تتخلى عن فكرة العدو الخارجي وتتمسك بهويتها المذهبية ستتحلل الدولة وتنهار .. وانت تلاحظ انه لم توجد ثورة فقراء في العالم رفعت شعارا دينيا .. من الثورة الفرنسية الى الثورة البلشفية .. بل تعمد الامم المقهورة اقتصاديا لخلق شعارات جامعة وتيارات جامعة ورايات جامعة .. وكل التيارات المذهبية تذهب بمطالبها الاجتماعية الضيقة على مقاسها فقط الى الحرب الاهلية والتفكك الداخلي عندما ترفع رايتها الدينية ..

وهنا يتأمل شيخ الكتاب طفلا تبدو عليه أثار الغباء الشديد وهم يحملق في الاستاذ وكأنه يخرق الحجب المعرفية .. ويسأله شيخ الكتاب: هل فهمت ياولد معنى ماأقول .. فيجيب الطفل الغبي: عندي سؤال ياأستاذ !!.. فيتعجب الاستاذ من ان الطفل الغبي الذي لايعرف جوابا على سؤال صار يطرح أسئلة .. فيقول له اسأل سؤالك ..
يقول التلميذ الغبي: لماذا توجد هناك وثيقة فرنسية تقول ان هناك من العلويين من طالب فرنسا بمنح استقلال للساحل السوري ومنع دمجه مع بقايا سورية .. وكان من الموقعين السيد علي الاسد والد الرئيس حافظ الاسد؟؟ لماذا تتجاهلها في مقالك ..

وهنا يعرف شيخ الكتاب ان تلميذه “فلتة” في الغباء .. وأنه لن يأتي بعده في الصف يفوقه غباء .. ولكن شيخ الكتاب يمسك اعصابه ويمنع عصاه من ان تهجم على رأس الصبي ويقول له: ياأبني .. أيها الحمار الصغير .. سأجيبك عن السؤال الملحمي الذي لاأدري بما أصفه سوى أنه “كالعطسة” من غير ميعاد .. لأنني لاأجد له رابطا مع حديثنا .. أنا أتحدث عن علاقة التفكك بالسجالات الداخلية والطوائف .. وأنت تسأل عن وثيقة تاريخية أصدرتها فرنسا .. وماأدراك ما فرنسا .. فرنسا صاحبة سايكس بيكو .. وصاحبة مشروع التقسيم الشهير في سورية الذي أنتح علما بثلاث نجمات ترمز الى طوائف البلد .. فها انت أدري بما في قلب فرنسا عندما تعطيك اي وثيقة؟؟

أولا .. أيها التلميذ الحمار ليست كل وثيقة سميت تاريخية هي تاريخية فعلا ..
ثانيا .. لايعتد باي وثيقة مهما كان مصدرها قبل ان تدرس وتثبت مصادقيتها وعدم تزويرها .. فهل هناك من درسها ودرس الاختام والتواقيع والخط .. وأنت تعلم ان كثيرا من الوثائق التي نشرت عن الهولوكوست تبين انها نشرت بعد عام 1960 لأن أنواع الاقلام التي كتبت بها لم تكن صنعت قبل عام 1950 فيما يقول اصحابها انهم متبوها في ذروة الحرب عام 1942 .. تحليل بسيط لنوع الحبر والكنابة كشف التزوير ..
ثالثا .. عند سماع اي خبر عليك ان تسأل عن ناشر الخبر ومدى صدقيته وسمعته كمنافق او صاحب مصلحة في نشر الخبر .. رابعأ .. عليك ان تسأل عن سبب نشر هذه الوثيقة فقط عندما وصل الرئيس الأسد الى الحكم وبالذات بعد تفحير الصراع مع سورية بعد رفضها لخطوة السادات في كامب ديفيد واندلاع المواجهة مع الاخوان المسلمين الذين دعمتهم فرنسا بهذه الوثيقة .. ونشرت بكثافة بعد قضية نزار هنداوي الذي اتهمته بريطانيا بمحاولة تفجير طائرة العال اسرائيلية في مطار هيثرو وقادت مرغريت تاتشر حملة عنيفة ضد سورية ودعمتها فرنسا .. وفجأة توسع نشر الوثيقة .. لماذا؟

خامسا .. ياحمار حتى ان صحت الوثيقة فالانسان يسأل ان كانت لها قصة أخرى .. لأن هناك من يقول ان القصة تلفيق في تلفيق وقامت فرنسا بالضغط على بعض الزعماء الساسييين في كل منطقة للتوقيع والموافقة على مشروعها الانفصالي .. وهناك من يقول ان هذه الوثيقة كانت خوفا من الحاق الساحل السوري بتركيا كما حدث مع لواء اسكندرون لاحقا كما فعلت فرنسا لاحقا .. لأن تركيا كانت تريد الساحل السوري وحلب منذ عشرينيات القرن الماضي .. ويومها فضل الكثيرون الانفصال كيلا يتم الحاقهم بتركيا الوريثة العثمانية سيئة الذكر ..

سادسا: هناك سؤال لايطرحه البلهاء وهو كيف ان رجلا فلاحا بسيطا يخاطب فرنسا في حين ان الباشاوات والاغوات والبيكوات وحدهم المخولون بمخاطبتها .. فمن هو الفلاح الذي يتجاوو الزعماء والبيكوات ويخاطب دولة قوية امبراطورية نيابة عنهم؟؟ هنا ضعف القصة .. لأن ذلك الفلاح البسيط لانعرف اذا كان قد أرغم على التوقيع او تم الزج باسمه ..

سابعا .. ايها التلميذ الغبي .. ايها التلميذ الحمار.. ماذا يعني لك ان يصل ابن صاحب تلك الرسالة الى أرفع سلطة في سورية ويصبح الآمر الناهي فيها ولكنه لايترجم وصية ابيه وحلمه على الاقل في بناء حكم ذاتي لطائفته؟ ألم يكن قادرا؟ ألم تكن فرنسا والغرب واميريكا سيؤيدونه ويشدون على أزره؟ لماذا كان حافظ الاسد – ابن من كتب تلك الوثيقة كما تقول – مستميتا لبناء الوحدة السورية العراقية وقبل ان يتخلى عن السلطة لأحمد حسن البكر من أجل الوحدة .. وهذا التنازل كان سيمنعه من تحقيق هذا الحلم والوصية طالما ان تربيته كانت على يد انفصالي طائفي؟ ولماذا لم يقم خلال فترة حكمه بتحضير البنية التحتية في الساحل لهذا الغرض .. وانت تعلم ان البنية التحتية في الساحل لم تتم تقويتها في زمن الاسد ليصبح انفصالها سهلا كما تدعي وثيقتك ..

ايها الحمار .. هناك الكثير من التلفيق والتزوير .. وانت رأيت بعينك كيف يتم تزوير التاريخ والوثائق واليوتيوب والرسائل .. ورأيت بأم عينك كيف يتم تزويرالتاريخ الحالي الذي نعيشه والذي نراه يحكى امام عيوننا بحكابات مغايرة .. وانت تعلم ان فرنسا كانت تزوّر في سورية وأن بريطانيا كانت تزوّر في فلسطين وكانت تصدر وثائق تقول ان الفلاحين الفلسطينيين كانوا يبيعون اراضيهم لليهود .. لتبرير الاستيطان اليهودي .. وفرنسا كانت تريد تبرير التقسيم الطائفي .. فصارت تزوّر او ترغم الناس على كتابة العرائض او تخدع الناس وتخيفهم وتقول لهم ان ام تنفصلوا سيحدث كذا وكذا .. انت دوما تلحق القصة الناقصة .. وتؤمن بها ولاتحقق بها لأن في داخلك رغبة في ان تتهم الاخر كي تفصله عنك وتعزله عنك وتجعل منه مواطنا من الدرجة الثانية ..

ايها الحمار اليس هذا السؤال شبيها بسؤال ان اسرائيل واميريكا سرا يدعمان الاسد ضد الثورة السورية ولولا ذلك لانتصر الثوار .. رغم ان الثورة السورية في احضان الناتو ومدعومة من اعضاء حلف الناتو وأصدقاء الناتو من تركيا الى قطر والسعودية والاردن .. واميريكا بنفسها جاءت بالأساطيل لتضرب الجيش السوري من أجل ثوار الناتو .. ولكنها خشيت من حزب الله وايران وسروية .. الدول التي ترفع بعضها رايات دينية لتقاتل العدو الخارجي لا لتقاتل بعضها .. وبعد كل هذا يقول الثورجيون اننا عملاء اسرائيل رغم ان الثوار تستقبلهم كل دول الناتو .. وحلفاء الناتو .. وخدم الناتو .. وسدنة الناتو .. والثوار يسيرون جنبا الى جنب مع السياح الاسرائيليين في كل هذه الدول وأعلامهم بجانب أعلام اسرائيل .. وجميع هذه الدول لم تطلق رصاصة على اسرائيل .. وفقط وحدها سورية .. ووحده الأسد لم يوقع على اي تطبيع ولم يرفع لاسرائيل راية في دمشق .. ومع هذا يأتي أبله مثلك ويقول لك وهو يخفض صوته ويهمس وكأنه يقول لك سرا من اسرار الوجود (اسرائيل داعمته بالسر ضد الثورة وهناك اتفاق سري شيعي يهودي لكسر الاسلام!!!) .. ويكاد شيخ الكتاب في نفس كل واحد منا يجن ويضرب هذا الابله بالعصا حتى تتكسر العصا وتنكسر جمجمته التي فيها عقل ضب ..

ياابني يبدو انك لاتعرف (الالف لاشن عليها من البي وحدة من تحتا .. فكيف ستعرف كل الحروف) .. ولذلك “ابعث ورا امك أم كامل كي تأتي لتأخذك لأنه لاأمل فيك يرتجى .. وعقلك يصعب تشغيله لا بالديزل ولا بالوقود العضوي ولا بطاقة الرياح ولا بالنفخ .. وانت لن تعرف الالف من الباء .. قاتلك الله لقد قتلني غباؤك .. وقررت ان أترك هذه المهنة التي ستجعلني وجها لوجه مع الغباء المطلق الذي لاغباء بعده ..

ورميت طريوش شيخ الكتاب وعمامته على الارض .. وكسرت اللوح الذي عليه (ألف لاشن عليها .. والبي وحدة من تحتا) .. وكسرت العصا .. وخرجت لاألوي على شيء الا الابتعاد عن الغباء المطلق .. الذي يكاد يقتلني ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى