*هكذا أزاحت روسيا ألمانيا وأصبحت خامس أكبر اقتصاد عالمي*
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الكاتب : زينب عقيل
في عام 2019 فقط، نما الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، بنسبة 1.3%.
وكان من المتوقع أنه سيبدأ في التسارع خلال السنوات التالية. رئيس الوزراء الروسي السابق ديميتري ميدفيديف تحدّث حينها عن خطة إصلاح اقتصادي لدفع البلاد إلى واحدة من أكبر خمس اقتصادات في العالم في تعادل القوة الشرائية بحلول عام 2023، وكانت روسيا حينها في الموقع السادس خلف ألمانيا مباشرة. وهو ما حصل على الرغم مما يسمى العقوبات غير المسبوقة التي فرضها الغرب الجماعي إثر الحرب الأوكرانية، وحزمة العقوبات التي فُرضت قبلها عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم. وهكذا تكون روسيا قد أزاحت ألمانيا لتصبح أكبر اقتصاد في أوروبا، وخامس اكبر اقتصاد عالمي. يمكن فهم هذا التطور الاقتصادي من خلال شرح معادلة القوة الشرائية. “تعادل القوة الشرائية” هو مصطلح اقتصادي مصمّم لمقارنة قدرة البلدان المختلفة على شراء وحدة معينة من سلعة أو سلة مشتركة من السلع والخدمات. يتم استخدامه لقياس القدرة الشرائية الفعلية. على سبيل المثال، إذا كان المبلغ المطلوب لشراء سلع بقيمة 100 دولار أمريكي بنفس كمية المنتجات في كل بلد، فإن هذا يعني أن المواطن الروسي العادي أصبح قادرًا على شراء سلع بقيمة 100 دولار أمريكي أكثر من نظيره الألماني في عام 2023. منذ بداية العملية العسكرية على أوكرانيا كانت مسألة التداعيات الاقتصادية لهذه المواجهة تقدّم دائمًا على أنها طريق محتوم لفشل الاقتصاد الروسي. لكن التدابير الاقتصادية للحكومة الروسية أظهرت مرونة مرتفعة، بالإضافة إلى مقاومة اقتصادية غير مسبوقة. عام 2014 كانت روسيا في المرتبة التاسعة، وكان من المتوقع أن تتفوق روسيا على ألمانيا والمملكة المتحدة اللتان تعدان من بين أقوى الاقتصادات الغربية. لكن خضوع هاتان الدولتان لواشنطن التي فرضت على الاتحاد الأوروبي تمويل آلة الحرب الأوكرانية، وسوء التقدير الاستراتيجي الذي أدى إلى تراجع التصدير في ألمانيا، كانت من الأسباب التي سرّعت من إزاحة ألمانيا من قِبل روسيا. إلى ذلك، فإن العالم الفعلي يستفيد أيضا من هذا التحول. فقد استفاد منتجو النفط في آسيا الوسطى والخليج الفارسي بشكل كبير من ارتفاع أسعار النفط، في حين شهدت المصافي الهندية مكاسب غير مسبوقة (وغير متوقعة على الإطلاق) من خلال إعادة بيع النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي. والآن تعاني الولايات المتحدة من السلع باهظة الأسعار والتي كانت رخيصة، وخاصة النفط والغاز الطبيعي. أدت بدورها إلى تأثير مضاعف لا يزال يدمر قطاعات كاملة من اقتصاد الاتحاد الأوروبي، حيث لا يمكن استبدالها. كما أنّ فقدان الوصول إلى السوق الروسية الضخمة، شكّل ضربة كبيرة للكتلة المضطربة. خاصة بعد محاولة سرقة الأموال التي كانت العديد من الشركات الروسية قد احتفظت بها في البنوك الأوروبية، ما أدى إلى تدمير كامل للثقة التي كانت موجودة ذات يوم، وشجع ليس فقط الروس على فقدان الاهتمام بقطاع التمويل في الاتحاد الأوروبي الذي كان لا مثيل له ذات يوم. إلى ذلك، كما ملأت الصين والهند ودول الخليج العربي وتركيا ودول أخرى الفجوة في السوق الروسية. خطة عزل روسيا فشلت *فشل ما يسمى بالعقوبات الغربية* في أوائل أغسطس/ آب 2023، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن استراتيجية الغرب لفرض عقوبات على رجال الأعمال الروس وعائلاتهم أثبتت عدم فعاليتها. وستكون قدرة روسيا على تحمل العقوبات موضوعًا للتحليل في المستقبل، وفقًا للتقرير. الواقع أن العقوبات التي كان ينبغي لها أن تدمّر الاقتصاد الروسي المتنامي كانت سببًا في دفعه إلى الإمام على سلّم أكبر الاقتصادات في العالم، ومن تحقق تدميره هو ألمانيا التي شهدت قوتها الصناعية تفككًا غير مسبوق، وعَكَس عملية ما كان يسمى “المعجزة الاقتصادية الألمانية” في أعقاب الحرب العالمية الثانية. إلى ذلك فأنّ محاولة العزل لم تأتِ من الكتلة الغربية فقط، فاليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورا باعتبارها دولًا تابعة للغرب، قد فرضت العقوبات أيضًا، وهذا يعني أن محاولة هذه الكتلة الضخمة والوازنة اقتصاديًا في العالم، فشلت في محاولة عزل روسيا فشلًا ذريعًا، وكانت سببًا في ابتكار برنامج استبدال الواردات الذي تمّ تنظيمه وتنفيذه بسرعة، وهو بدوره خلق فرصًا هائلة لتوسيع السوق للشركات الهندية والإيرانية والعديد من الشركات الأخرى من جميع أنحاء العالم. وقد مهّدت هذه العملية لظهور قطاعات صناعية بأكملها لم تكن موجودة فعليًا قبل فرض العقوبات، إلى جانب ارتفاع صادرات الطاقة. كل هذا قدّم دفعة هائلة لاقتصاد موسكو.