الأخبار العالميّة

كم تشيلكوت نحتاج؟

معن بشور. 19/8/2023.

لم يكن الرأي العام العربي والعالمي بحاجة الى تقرير السير جون شيلكوت المحقق في دور حكومة بلير في غزو العراق عام 2003، والذي توفي قبل حوالي العامين عن 82 عاماً، وهو التقرير الذي يتضمن أكثر من مليوني كلمة، ليكتشف حجم التواطؤ البريطاني الأميركي في ما يمكن تسميته بجريمة العصر، أي الحرب على العراق عام 2003 وما أدت اليه من نتائج كارثية على دولة بوزن العراق وأهميته، كما على الأمّة والإقليم كله.لكن اللافت في الأمر ان هذا التقرير الذي كُلف أحد كبار موظفي الداخلية البريطانية (تشيلكوف) بإعداده من قبل رئيس الحكومة غوردون براون بعد غزو العراق عام 2003، قد استغرق اعداده أكثر من سبع سنوات بسبب ما يمكن وصفه بتعقيدات وعرقلات حاولت التأخير في اعلان حقائق دافعة تشير الى نفي الحجة الرئيسية في شن الحرب على العراق وهي وجود أسلحة دمار شامل لم تكن موجودة أصلاً، لا بل ان الحكومتين في واشنطن ولندن كانتا تعلم بعدم وجود هذه الأسلحة ومع ذلك أصرتا مع ثلاثين دولة أخرى على شن تلك الحرب التي ما زال الأقليم والعالم يعاني من تداعياتها.واللافت أيضاً، أنه رغم مرور سنوات على نشر التقرير، إلاً ان حجم الاهتمام الإعلامي الإقليمي والعالمي كان محدوداً ولا يتناسب مع مضمون التقرير الذي يكشف طبيعة تلك الحرب، وذلك الاحتلال ونتائجهما الكارثية على العراق والأمة كلها، بل لم تجري أي محاسبة أو ملاحقة قانونية لمن اعتبرهم التقرير متورطين في تلك الحرب دون مسوغ قانوني وفي مقدمتهم طوني بلير رئيس حكومة بريطانيا عشية الحرب على العراق وبعدها.ان التأخير في اعلان نتائج التحقيق كل هذه السنوات، وان ما يشبه تغييبها اعلامياً وعدم اتخاذ أي إجراء في ضوئها له تفسير واحد لا يتعلق بالعراق وحده، بل بالعديد من الجرائم الكبرى المماثلة التي ارتكبتها واشنطن ولندن واتباعهما في العديد من دول العالم، وما زالوا يرتكبونها، لا سيّما كما رأينا في سورية التي ما زالت تعاني منذ 12 سنة من العدوان والاحتلال والحصار وقيادته في واشنطن ولندن وباريس، واليمن الذي يشهد حرباً عليه وفيه منذ ثماني سنوات، وليبيا التي كان غزو الناتو لها مقدمة لما تشهده الآن من فوضى وتقسيم ونهب لخيراتها، ولبنان الذي شهد حروباً إسرائيلية عليه، ومحاولات اشعال حروب داخلية فيه، وما زال يعاني حصاراً شديداً كشفت حقيقته وثائق، “ويكليكس” كجزء من المخططات الأميركية ضده ناهيك عما نراه في السودان من حرب عاتية تشكّل في نهاية الأمر محاولة لتكريس الوصاية الدولية على بلد يرفض شعبه نزع الهوية العربية – الإسلامية – الإفريقية عنه، وتكريس اتفاقيات التطبيع مع العدو الصهيوني التي جاءت معاكسة للمزاج الوطني والعربي والإسلامي لشعب السودان ولتاريخه. طبعاً لم يكن المواطن العربي وحده مستهدفاً بهذه الحروب والمؤامرات ، فمثله كانت ايران على مدى عقود وكوبا وفنزويلا والبرازيل ونيكاراغوا وبوليفيا وتشيلي منذ استشهاد سلفادور الليندي عام 1972، وغيرها من دول أمريكا اللاتينية ، ناهيك عن كوريا الشمالية والصين وروسيا وصولاً الى الهند وتركيا نفسها عام 2016، مما يشير الى حاجة العالم الى تشيلكوف في العديد من مناطقه ليكشف حجم التواطؤ الاستعماري على استقرار كل دولة متمسكة بكرامتها وسيادتها واستقلالها بل على السلام العالمي برمته كما نرى اليوم بالتهديدات باستخدام السلاح النووي في الحرب الأوكرانية، وفي الصراع جنوب الصين.إن هذه الحقائق الدامغة عن تورط المستعمرين القدامى والجدد، وفي طليعتهم الكيان الصهيوني المؤقت، تستدعي منا جميعاً ان نجري المراجعات الضرورية التي تحررنا من الاحكام المسبقة، ومن لغة أذكاء الصراعات الأهلية القاتلة ونبش أحقاد الماضي بين الشعوب المستهدفة بهذه المخططات وداخلها..ثم ألا تستحق منا هذه الحقائق ان نسعى جميعاً لتشكيل جبهة عالمية من كافة القوى والدول المستهدفة بهذه المخططات والمؤامرات والحروب الاستعمارية والعنصرية والصهيونية لكي نبدأ بتحرير العالم بأسره، وبناء العلاقات فيه على قاعدة صلبة من الحرية والكرامة والعدالة والتنمية والتعاون الإنساني، وهو ما جاء في مقررات الدورة 32 للمؤتمر القومي العربي التي انعقدت في بيروت في نهاية تموز/يوليو المنصرم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى